قوله تعالى : { والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } .
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت ، وعبد الله بن أبي بن سلول ، حين تبرأ عبادة من اليهود ، وقال : أتولى الله ورسوله والذين آمنوا ، فنزل فيهم من قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } ، إلى قوله : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } ، يعني عبادة بن الصامت ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا ، وفارقونا ، وأقسموا أن لا يجالسونا ، فنزلت هذه الآية ، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء . وعلى هذا التأويل أراد بقوله : { وهم راكعون } صلاة التطوع بالليل والنهار ، وقاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقال السدي : قوله : { والذين آمنوا } .
قوله تعالى : { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } ، أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه . وقال جويبر عن الضحاك في قوله : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } ، قال : هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض ، وقال أبو جعفر ، محمد بن علي الباقر : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } ، نزلت في المؤمنين ، فقيل له إن أناساً يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه ، فقال : هو من المؤمنين .
وقوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } أي : ليس اليهود بأوليائكم ، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين .
وقوله : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [ وَهُمْ رَاكِعُونَ ] }{[9980]} أي : المؤمنون المتصفون بهذه الصفات ، من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، وهي له وحده{[9981]} لا شريك له ، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين .
وأما قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فقد توهم بعضهم أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله : { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ؛ لأنه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب : أن هذه الآية نزلت فيه : [ ذلك ]{[9982]} أنه مر به سائل في حال ركوعه ، فأعطاه خاتمه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أيوب بن سُوَيْد ، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب . {[9983]}
وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا الفضل بن دُكَيْن أبو نعيم الأحول ، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كُهَيْل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } .
وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا غالب بن عبيد الله ، سمعت مجاهدًا يقول في قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية : نزلت في علي بن أبي طالب ، تَصَّدَق وهو راكع{[9984]}
وقال عبد الرزاق : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية : نزلت في علي بن أبي طالب .
عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به .
ورواه ابن مَرْدُويه ، من طريق سفيان الثوري ، عن أبي سِنان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي ، فمر سائل وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزلت : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية .
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي - وهو متروك - عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، والناس يصلون ، بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، وإذا مسكين يسأل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أعطاك أحد شيئًا ؟ " قال : نعم . قال : " من ؟ " قال : ذلك{[9985]} الرجل القائم . قال : " على أي حال أعطاكه ؟ " قال : وهو راكع ، قال : " وذلك علي بن أبي طالب " . قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، وهو يقول : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
ثم رواه ابن مردويه ، من حديث علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، نفسه ، وعمار بن ياسر ، وأبي رافع . وليس يصح شيء منها بالكلية ، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها . ثم روى بسنده ، عن ميمون بن مِهْران ، عن ابن عباس في قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } نزلت في المؤمنين ، وعلي بن أبي طالب أولهم .
وقال ابن جرير : حدثنا هَنَّاد ، حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه [ الآية ]{[9986]} { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } قلنا : من الذين آمنوا ؟ قال : الذين آمنوا ! قلنا : بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب ! قال : عَلِيٌّ من الذين آمنوا .
وقال أسباط ، عن السُّدِّي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه .
وقال علي بن أبي طلحة الوالبي ، عن ابن عباس : من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا . رواه ابن جرير .
وقد تقدم في الأحاديث التي أوردنا{[9987]} أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، حين تبرأ من حلْف يَهُود ، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } كما قال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ . لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ المجادلة : 21 ، 22 ] .
{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقبيه من هو حقيق بها ، وإنما قال { وليكم الله } ولم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع . { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم ، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح . { وهم راكعون } متخشعون في صلاتهم وزكاتهم ، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون ، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصا على الإحسان ومسارعه إليه ، وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه . واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها ، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضا خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه ، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة .