الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ } : مبتدأٌ وخبرٌ ، و " رسولهُ " و " الذين " عطفٌ على الخبر . قال الزمخشري : قد ذُكِرَتْ جماعةٌ فهلاً قيل : إنما أولياؤُكم . وأجابَ بأنَ الوِلايةَ بطريقِ الأصالةِ لله تعالى ، ثم نَظَّم في سلكِ إثباتها لرسوله وللمؤمنين ، ولو جيء به جمعاً فقيل : " إنما أولياؤُكم " لم يكنْ في الكلامِ أصلٌ وتَبَعٌ " . قلت : ويَحْتمل وجهاً آخرَ وهو أنَّ " وَلِيَّ " بزنة فَعِيل ، وفعيل وقد نصَّ عليه أهلُ اللسان أنه يقعُ للواحدِ والاثنين والجماعة تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد ، يقال : " الزيدون صديقٌ ، وهند صديقٌ " وهذا مثلُه ، غايةُ ما فيه أنه مقدَّمٌ في التركيب ، وقد أجابَ الزمخشري وغيرُه بذلك في قوله تعالى { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [ هود : 89 ] ، وذكر وجهَ ذلك وهو شِبْهُه بالمصادر وسيأتي تحقيقُه . وقرأ ابن مسعود : " إنما مَوْلاكم " وهي تفسير لا قراءة .

قوله تعالى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ } في خمسةُ أوجه ، أحدها : أنه مرفوعٌ على الوصفِ لقوله " الذين آمنوا " وَصَفَ المؤمنين بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وذكرهاتين العبادتين دونَ سائرِ فروعِ الإِيمان لأنهما أفضلُها . الثاني : أنه مرفوعٌ على البدلِ من " الذين آمنوا " الثالث : أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي : هم الذين . الرابع : أنه عطفُ بيانٍ لما قبله ؛ فإنَّ كلَّ ما جاز أن يكونَ بدلاً جاز أن يكون بياناً إلا فيما استُثْي وقد ذكرْتُه فيما تقدم . الخامس : أنه منصوبٌ بإضمار فعلٍ ، وهذا الوجهُ والذي قَبله من باب القطع عن التبعية . قال الشيخ :- بعد أن نقلَ عن الزمخشري وَجْهَيْ البدلِ وإضمارِ المبتدأ فقط - " ولا أَدْري ما الذي مَنَعه من الصفةِ ، إذ هو المتبادَرُ إلى الذهن ، ولأنَّ المُبْدَلَ منه على نية الطرحِ ، وهو لا يَصِحُّ هنا / لأنه هو الوصفُ المترتِّب عليه [ صحةُ ] ما بعده من الأوصاف " قلت : لا نسلِّمُ أنَّ المتبادرَ إلى الذهن الوصفُ بل البدلُ هو المتبادرُ ، وأيضاً فإنَّ الوصفَ بالموصولِ على خلافِ الأصل ؛ لأنه مؤولٌ بالمشتقِّ وليس بمشتقٍ ، ولا نُسَلِّم أنَّ المبدلَ منه على نيةِ الطَرْحِ ، وهو المنقولُ عن سيبويه .

قوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } في هذه الجملةِ وجهان ، أظهرُهما : أنها معطوفةٌ على ما قبلَها من الجملِ فتكونُ صلةً للموصولِ ، وجاء بهذه الجملةِ اسميةً دونَ ما قبلَها ، فلم يَقُلْ " ويركعون " اهتماماً بهذا الوصفِ ؛ لأنه أظهرُ أركانِ الصلاة . والثاني : أنها واوُ الحال وصاحبُها هو واو " يُؤْتون " والمرادُ بالركوعِ الخضوعُ أي : يؤتون الصدقة وهم متواضِعُون للفقراءِ الذين يتصدَّقون عليهم ، ويجوز أَنْ يُرادَ به الركوع حقيقةً ؛ كما رُوي عن علي أميرِ المؤمنين أنه تصدَّقَ بخاتَمِة وهو راكعٌ .