غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

48

ثم إنه سبحانه لما نهى في الآي المتقدمة عن موالاة الكفار أمر بعد ذلك بموالاة من يحق موالاته فقال : { إنما وليكم } ولم يقل أولياؤكم ليعلم أن ولاية الله أصل والباقي تبع { الله ورسوله والذين آمنوا } وفيه قولان : الأول أن المراد عامة المؤمنين لأنّ الآية نزلت على وفق ما مر من قصة عبادة من الصامت . وروي أيضاً أن عبد الله بن سلام قال : يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنزلت هذه الآية . فقالوا : رضينا بالله تعالى وبرسوله وبالمؤمنين أولياء . ثم قال : { الذين يقيمون الصلاة } ومحله رفع على البدل أو على هم الذين يقيمون ، أو نصب بمعنى أخص أو أعني وفي الكل مدح والغرض تميز المؤمن المخلص عمن يدعي الإيمان نفاقاً . ومعنى { وهم راكعون } قال أبو مسلم : أي منقادون خاضعون لأوامر الله تعالى ونواهيه . وقيل : المراد ومن شأنهم إقامة الصلاة وخص الركوع بالذكر لشرفه . وقيل : إنّ الصحابة كانوا عند نزول الآية مختلفين في هذه الصفات منهم من قد أتم الصلاة ومنهم من دفع المال إلى الفقير ومنهم من كان بعد الصلاة راكعاً فنزلت الآية على وفق أحوالهم . القول الثاني أن المراد شخص معين وجيء به على لفظ الجمع ليرغب الناس في مثل فعله . ثم إن ذلك الشخص من هو ؟ روى عكرمة أنه أبو بكر وروى عطاء عن ابن عباس أنه علي عليه السلام . روي أن عبد الله بن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت : يا رسول الله أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه . وروي عن أبي ذر أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول فما أعطاني أحد شيئاً وعليّ عليه السلام كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم إن أخي موسى سألك فقال : { رب اشرح لي صدري } إلى قوله : { وأشركه في أمري } [ طه :25 ، 32 ] فأنزلت قرآناً ناطقاً { سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً } [ القصص :35 ] " اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به أزري " . قال أبو ذر : فوالله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ { إنما وليكم الله } الآية . فاستدلت الشيعة بها على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولي هو الوالي المتصرف في أمور الأمة ، وأنه علي عليه السلام برواية أبي ذر وغيره .

وأجيب بالمنع من أن الولي ههنا هو المتصرف بل المراد به الناصر والمحب لأن الولاية المنهي عنها فيما قبل هذه الآية ، وفيما بعدها هي بهذا المعنى فكذا الولاية المأمور بها . وأيضاً إن علياً لم يكن نافذ التصرف حال نزول الآية وإنها تقتضي ظاهراً أن تكون الولاية حاصلة في الحال . وأيضاً إطلاق لفظ الجمع على الواحد لأجل التعظيم مجاز والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فالمراد بالذين آمنوا عامة المؤمنين وأن بعضهم يجب أن يكون ناصراً لبعض كقوله :{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }[ التوبة :71 ] وأيضاً الآية المتقدمة نزلت في أبي بكر كما مر من أنه هو الذي حارب المرتدين فالمناسب أن تكون هذه أيضاً فيه . ثم إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الإمامية فلو كانت الآية دالة على إمامة عليّ لاحتج بها كما احتج بما ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر الغدير وخبر المباهلة وجميع مناقبه وفضائله . وهب أنها دالة على إمامته لكنه ما كان نافذ التصرف في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا أنه سيصير إماماً ونحن نقول بموجبه ولكنه بعد الشيوخ الثلاثة . ومن أين قلتم إنها تدل على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل ؟ وأيضاً إنهم كانوا قاطعين بأن المتصرف فيهم هو الله ورسوله فلا حاجة بهم إلى ذكر ذلك . فالمراد بقوله : { إنما وليكم الله ورسوله } أن من كان الله ورسوله ناصرين له فأي حاجة به إلى طلب النصرة والمحبة عن غيره ، وإذا كان الولي مستعملاً بمعنى النصرة مرة امتنع أن يراد به معنى المتصرف لأنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في كلا مفهوميه معاً فكأنه تعالى قسم المؤمنين قسمين وجعل أحدهما أنصاراً للآخر . وأيضاً الزكاة اسم للواجب لا للمندوب ، ومن المشهور أن علياً عليه السلام ما كان يجب عليه الزكاة ، ولو سلم فاللائق بحاله أن يكون في الصلاة مستغرق القلب بالله فلا يتفرغ لاستماع كلام السائل ولا إلى دفع الخاتم إليه لأنه عمل كثير ، اللهم إلا أن يكون الخاتم سهل المأخذ أو كان قد أومأ به إلى السائل فأخذه السائل . والحق أنه إن صحت الرواية فللآية دلالة قوية على عظم شأن علي عليه السلام ، والمناقشة في أمثال ذلك تطويل بلا طائل إلا أن أصحاب المذاهب لما تكلموا فيها أوردنا حاصل كلامهم على سبيل الاختصار .

/خ58