التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

قوله : { إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا } بعد أن نهى الله في الآيات السابقة عن موالاة الكافرين ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر في قوله : { إنما } فلا تنبغي الموالاة لأحد من المشركين الذين يحادون الله ورسوله والذين يكيدون للإسلام والمسلمين في كل آن ، وهذا ديدنهم في كل حال . بل الموالاة لله وحده ولرسوله والمؤمنين . أي أن الكلمة { إنما } تفيد وجوب اختصاص المذكورين بالموالاة وهو الله ورسوله والمؤمنون دون غيرهم من الخلق . أما قوله : { وليكم } بالإفراد وليس الجمع ، إذ لم يقل أوليائكم ، فتأويله أن أصل الكلام : إنما وليكم الله . فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ثم جعلت لرسول الله والمؤمنين على سبيل التبع .

أما المراد بقوله : { والذين ءامنوا } فهو عامة المؤمنين ، وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال : أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير ، وأتولى الله ورسوله هذه الآية على وفق قوله . وروي كذلك أن عبد الله بن سلام قال : يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنزلت هذه الآية فقال : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء . وهذا يدل على أن الآية عامة في حق كل المؤمنين ، فكل مؤمن هو ولي كل المؤمنين . يدل على ذلك قوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } .

وروي عن ابن عباس أن المراد بالذين آمنوا ، علي بن أبي طالب . وفي رواية عنه أخرى أن المراد هو أبو بكر . والصحيح القول الأول ، وهو أن المراد كل المؤمنين ، استنادا إلى عموم الآية هذه وغيرها من الآيات الدالة على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض .

قوله : { الذين يقيمون الصلاة } الذين بدل من الذين آمنوا . أو صفة له ، أو خبر لمحذوف تقديره هم . أو النصب على المدح . والغرض من ذكر المؤمنين هنا هو تمييز المخلصين منهم عمن يدعون الإيمان وهو مفرطون ، لكن المؤمنين الخلص يكشف عن صدقهم وإخلاصهم أداؤهم للصلاة وإيتاؤهم للزكاة . . وهذا مقتضى قوله : { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } .

وقوله : { وهم راكعون } الواو للحال . والجملة حالية . أي يعملون ذلك حال الركوع وهو بمعنى الخشوع والخضوع والإخبات والتواضع أي أنهم يصلون ويزكون وهو خاضعون منقادون لأوامر الله ونواهيه . وقيل : المقصود بالركوع الصلاة . وقد خص الركوع بالذكر تشريفا له كقوله تعالى : { واركعوا مع الراكعين } . وقيل : حال من فاعل الزكاة . أي أنهم يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة . فقد ذكر أنها نزلت في علي كرم الله وجهه عندما سأله سائل وهو راكع في صلاته فنزع خاتمه من خنصره فطرحه له متصدقا به عليه على سبيل التطوع . ونميل للتأويل الأول على أنه الراجح ، لأن محل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد . ذلك أن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها الخاص بها وهو الزكاة المفروضة فهي اسم للواجب لا للمندوب{[1008]} .

على أن اعتبار قوله : { وهو راكعون } حالا من قوله : { ويؤتون الزكاة } أي في حال ركوعهم ، فيه ضعف . لأنه لو كان ذلك كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه مذكور هنا في معرض المدح . وهو ما لا يقوله من يعتبر قوله .


[1008]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 133 وفتح القدير ج 2 ص 51 والكشاف ج 2 ص 623، 624 وتفسير الرازي ج 12 ص 27- 33.