الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

عقب النهي عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تجب موالاتهم بقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ } ومعنى ( إنما ) وجوب اختصاصهم بالموالاة .

فإن قلت : قد ذكرت جماعة فهلا قيل : إنما أولياؤكم ؟ قلت : أصل الكلام : إنما وليكم الله ، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ، ثم نظم في سلك إثباتها له إثباتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على سبيل التبع ، ولو قيل : إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا ، لم يكن في الكلام أصل وتبع وفي قراءة عبد الله : «إنما مولاكم » .

فإن قلت : { الذين يُقِيمُونَ } ما محله ؟ قلت : الرفع على البدل من الذين آمنوا ، أو على : هم الذين يقيمون . أو النصب على المدح . وفيه تمييز للخلص من الذين آمنوا نفاقاً ، أو واطأت قلوبهم ألسنتهم إلا أنهم مفرطون في العمل { وَهُمْ رَاكِعُونَ } الواو فيه للحال ، أي يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا زكوا . وقيل : هو حال من يؤتون الزكاة ، بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وأنها نزلت في عليٍّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه . كأنه كان مرجاً في خنصره ، فلم يتكلف لخلعه كثير عما تفسد بمثله صلاته ،

فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقد الفقراء ، حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة ، لم يؤخروه إلى الفراغ منها .