قوله عز وجل :{ وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما } الآية ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا خالد بن عبد الله ، أنبأنا حصين عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فثار الناس إلا اثني عشر رجلاً فأنزل الله : { وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها } . ويحتج بهاذ الحديث من يرى الجمعة باثني عشر رجلاً ، وليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون حجة ، لاشتراط هذا العدد . وقال ابن عباس في رواية الكلبي : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط . وقال الحسن وأبو مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " . وقال مقاتل : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة ، وكان إذا قدم لم تبق بالمدينة عاتق إلا أتته ، وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه ، فقدم ذات جمعة ، وكان ذلك قبل أن يسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب ، فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم بقي في المسجد ؟ فقالوا : اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء ، فأنزل الله هذه الآية . وأراد باللهو الطبل . وقيل : كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق . وقوله : { انفضوا إليها } رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم . وقال علقمة : سئل عبد الله بن عمر : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً ؟ قال : أما تقرأ { وتركوك قائماً } .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد ، أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد ابن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا أبو الأحوص ، عن سماك عن جابر بن سمرة قال : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس " . وبهذا الإسناد عن جابر بن سمرة قال : " كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً " . والخطبة فريضة في صلاة الجمعة ، ويجب أن يخطب قائماً خطبتين ، وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة : أن يحمد الله ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوصي بتقوى الله ، هذه الثلاثة فرض في الخطبتين جميعاً ، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن ، ويدعو للمؤمنين في الثانية ، فلو ترك واحدة من هذه الخمس لا تصح جمعته عند الشافعي ، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه . وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة ، وهو مأمور بالخطبة .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا عبد الله بن يوسف بن محمد بن مأمونة ، أنبأنا أبو سعيد أحمد من محمد بن زياد البصري بمكة ، حدثنا الحسن بن الصباح الزعفراني ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع أن مروان استخلف أبا هريرة على المدينة ، فصلى بهم أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية : { إذا جاءك المنافقون }( المنافقون- 1 ) فقال عبيد الله : فلما انصرف مشيت إلى جنبه فقلت له : لقد قرأت بسورتين سمعت علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الصلاة ؟ فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن ضمرة بن سعيد المازني ، عن عبيد الله بن عتبة " أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة ؟ فقال : كان يقرأ ب { هل أتاك حديث الغاشية } " .
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب { سبح اسم ربك الأعلى } و{ هل أتاك حديث الغاشية } وربما اجتمع في يوم واحد فيقرأ بهما " . ولجواز الجمعة خمس شرائط : الوقت وهو : وقت الظهر ما بين زوال الشمس إلى دخول وقت العصر ، والعدد ، والإمام ، والخطبة ، ودار الإقامة ، فإذا فقد شرط من هذه الخمسة يجب أن يصلوها ظهراً . ولا يجوز للإمام أن يبتدئ الخطبة قبل اجتماع العدد ، وهو عدد الأربعين عند الشافعي ، فلو اجتمعوا وخطب بهم ثم انفضوا قبل افتتاح الصلاة أو انتقص واحد من العدد لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة ، بل يصلي الظهر ، ولو افتتح بهم الصلاة ثم انفضوا ، فأصح أقوال الشافعي : أن بقاء الأربعين شرط إلى آخر الصلاة ، كما أن بقاء الوقت شرط إلى آخر الصلاة فلو انتقص واحد منهم قبل أن يسلم الإمام يجب على الباقين أن يصلوها أربعاً . وفيه قول آخر : إن بقي معه اثنان أتمها جمعة . وقيل : إن بقي معه واحد أتمها جمعة ، وعند المزني إن انفضوا بعد ما صلى الإمام بهم ركعة أتمها جمعة ، وإن بقي وحده فإن كان في الركعة الأولى يتمها أربعاً وإن انتقص من العدد واحد ، وبه قال أبو حنيفة في العدد الذي شرطه كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فإذا سلم الإمام أتمها جمعة فإن أدرك أقل من ركعة أتمها أربعاً . قوله عز وجل : { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة } أي ما عند الله من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من اللهو ومن التجارة ، { والله خير الرازقين } لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسألوا ومنه فاطلبوا .
يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ ، فقال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } أي : على المنبر تخطب . هكذا ذكره غير واحد من التابعين ، منهم : أبو العالية ، والحسن ، وزيد بن أسلم ، وقتادة .
وزعم مقاتل بن حيان : أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم ، وكان معها طبل ، فانصرفوا إليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا على المنبر إلا القليل منهم . وقد صَحّ بذلك الخبر ، فقال الإمام أحمد :
حدثنا ابن إدريس ، عن حُصَين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : قَدمَت عيرٌ المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلا فنزلت : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا }
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سالم ، به{[28860]}
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا هُشَيم ، عن حُصَين ، عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقدمت عيرٌ إلى المدينة ، فابتدرها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد ، لسال بكم الوادي نارًا " ونزلت هذه الآية : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } وقال : كان في الاثني عشر الذين ثَبَتُوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما{[28861]} .
وفي قوله : { وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } دليل على أن الإمام يخطب يوم الجمعة قائما . وقد رَوَى مسلم في صحيحه عن جابر بن سَمُرَة قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما ، يقرأ القرآن ويذكر الناس .
ولكن هاهنا شيء ينبغي أن يُعلَم وهو : أن هذه القصة قد قيل : إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدّم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة ، كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل : حدثنا محمود بن خالد ، عن الوليد ، أخبرني أبو معاذ بُكَير بن مَعروف ، أنه سمع مُقَاتل بن حَيَّان يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى إذا كان يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحيةَ بن خليفة قد قدمَ بتجارة {[28862]} يعني : فانفضوا ، ولم يبق معه إلا نفر يسير .
وقوله : { قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ } أي : الذي عند الله من الثواب في الدار الآخرة { خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } أي : لمن توكل عليه ، وطلب الرزق في وقته .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ مّنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا انْفَضّوا إلَيْها يعني أسرعوا إلى التجارة وَتَركُوكَ قائما يقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم : وتركوك يا محمد قائما على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفضّ القوم إليها ، وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما كانت زيتا قدم به دحية بن خليفة من الشام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي مالك ، قال : قدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، قال : فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن قرة إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : جاء دحية الكلبي بتجارة والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم في الصلاة يوم الجمعة ، فتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وخرجوا إليه ، فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما حتى ختم السورة .
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة ، فمرّت عير تحمل الطعام ، قال : فخرج الناس إلا اثني عشر رجلاً ، فنزلت آية الجمعة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن : إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر ، فقدمت عير والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فسمعوا بها ، فخرجوا والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم ، كما قال الله عزّ وجلّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما قال : جاءت تجارة فانصرفوا إليها ، وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقينَ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإذَا رَأَوْا تجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها قال : رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال : كم أنتم ؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم قال سفيان : ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة ، فقال : كم أنتم ، فعدّوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال كم أنتم ؟ فعدّوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتّبَعَ آخِرُكمْ أوّلكمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الوَادي نارا » وأنزل الله عزّ وجلّ : وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله انْفَضوا إلَيْها وَتَركُوكَ قَائما قال : لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارا .
قال : ثنا ابن ثور ، قال معمر ، قال قتادة : لم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة معهم .
حدثنا محمد بن عمارة الرازي ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سالم وأبي سفيان ، عن جابر ، في قوله وَتَرَكُوكَ قائما قال : قدمت عير فانفضّوا إليها ، ولم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلى ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن سالم ، عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً ، قال : فنزلت هذه الاَية في الجمعة وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما .
وأما اللهو ، فإنه اختُلف من أيّ أجناس اللهو كان ، فقال بعضهم : كان كَبَرا ومزامير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرّون بالكبر والمزامير ويتركون النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ، وينفضون إليها ، فأنزل الله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها .
وقال آخرون : كان طبلاً . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : اللهو : الطبل .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، قال : ذكر عبد الله بن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكير ، عن مجاهد أن اللهو : هو الطبل .
والذي هو أولى بالصواب في ذلك الخبر الذي رويناه عن جابر ، لأنه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم .
وقوله : قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد الذي عند الله من الثواب ، لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضون إليها وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقِينَ يقول : والله خير رازق ، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم ، وإياه فأسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره .
وقوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً } الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة ، فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة{[11100]} وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي ، قال مجاهد : وكان من عرفهم أن يدخل عير الميرة بالطبل والمعازف والصياح سروراً بها ، فدخلت العير بمثل ذلك ، فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلاً . قال جابر بن عبد الله : أنا أحدهم .
قال القاضي أبو محمد : ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكر{[11101]} الآن ، إلا إني سمعت أبي رضي الله عنه يقول : هم العشرة المشهود لهم بالجنة ، واختلف في الحادي عشر ، فقيل : عمار بن ياسر ، وقيل : عبد الله بن مسعود ، وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي : بقي معه ثمانية نفر ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لولا هؤلاء لكانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء »{[11102]} ، وفي حديث آخر : «والذي نفس محمد بيده ، لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد ، لسال عليكم الوادي ناراً »{[11103]} وقال قتادة : بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، لأن قدوم العير كان يوافق يوم الجمعة يشبه أن المراحل كانت تعطي ذلك .
وقال تعالى : { إليها } ولم يقل تهمماً بالأهم ، إذ هي كانت سبب اللهو ولم يكن اللهو سببها{[11104]} ، وفي مصحف ابن مسعود : «ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين » . وتأمل إن قدمت التجارة مع الرؤية لأنها أهم وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولاً على الأبين ، وهذه الآية ، قيام الخطيب ، وأول من استراح في الخطبة عثمان ، وأول من جلس معاوية وخطب جالساً ، والرازق صفة فعل ، وقد يتصف بها بعض البشر تجوزاً إذا كان سبب رزق الحيوان ، { والله } تعالى { خير الرازقين } .