الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

وقوله سبحانه : { وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً } الآية ، نزلتْ بسبب أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ قائِماً على المنبرِ يَخْطُبُ يومَ الجمعةِ ، فأقبلت عِيرٌ مِنَ الشَامِ تحملُ مِيرةً ، وصاحبُ أمْرِهَا دِحْيَةُ بن خليفةَ الكلبي ، قال مجاهد : وكانَ مِن عُرْفِهِمْ أن تَدْخُلَ عِيرُ المدينةِ بالطَّبْلِ والمعازفِ ، والصياحِ سروراً بها ، فدخلتْ العيرُ بمثلِ ذلكَ ، فانْفَضَّ أهْلُ المسجدِ إلى رؤيةِ ذلكَ وسماعِه ؛ وتركُوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قائماً عَلَى المنبرِ ، ولم يَبْقَ معه غَيْر اثنَيْ عَشَرَ رَجُلاً ، قال جابر بن عبد اللَّه : أنا أحَدُهُم ، قال ( ع ) : ولم تَمُرَّ بِي تَسْمِيتُهم في ديوانٍ فيما أذْكُرُ الآنَ ، إلا أنِّي سمعتُ أبي رحمه اللَّه يقولُ : همُ العشرةُ المشهودُ لهم بالجنةِ ، واخْتُلِفَ في الحادِيَ عَشَرَ ، فقيل : عمارُ بن ياسر ، وقيل : ابن مسعودٍ ، ( ت ) : وفي تقييد أبي الحسنِ الصغير : والاثْنَا عَشَر الباقون همُ الصحابةُ العَشَرَةُ ، والحادِيَ عَشَرَ : بلالٌ ، واخْتُلِفَ في الثاني عشر ، فَقِيل : عمار بن ياسرِ ، وقيل : ابن مسعود ، انتهى . قال السهيلي : وجَاءَتْ تسميةُ الاثْنَي عَشَرَ في حديثِ مُرْسَلٍ رواه أسد بن عمرو والدُ موسى بن أسد ، وفيه أنَّ : رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْقَ معه إلا أبو بكرٍ وعُمَرُ وعثمانُ ؛ حتى العشرةِ ، وقَال : وبلالٌ وابن مسعود ، وفي روايةٍ : عمارُ بَدلَ ابنِ مسعودٍ ، وفي «مَرَاسِيلِ أبي داودَ » ذكر السببَ الذي من أجله تَرَخَّصُوا ، فقال : إن الخطبةَ يوم الجمعةِ كَانَتْ بعدَ الصلاةِ فَتَأَوَّلُوا رضي اللَّه عنهم أنهم قَدْ قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ ، فَحوِّلَتْ الخطبةُ بعدَ ذلك قبلَ الصلاةِ ، فهذا الحديثُ وإن كانَ مُرْسَلاً فالظن الجميلُ بأصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم يُوجِبُ أنْ يكونَ صحيحاً ، واللَّه أعلم ؛ انتهى . ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال : " لَوْلاَ هؤلاءِ لَقَدْ كَانَتِ الحِجَارَةُ سُوِّمَتْ على المُنَفضِّينَ من السماءِ " ، وفي حديثٍ آخر : " والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ تَتَابَعْتُمْ حتى لاَ يبقى أَحَدٌ لسَالَ بِكُمُ الوَادِي نَاراً " ، قَالَ البخاريُّ : { انفضوا } معناه تَفَرَّقُوا ، انتهى . وقرأ ابن مسعود : «وَمِنَ التِّجَارَةِ لِلَّذِينَ اتقوا ، وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » وإنما أعاد الضميرَ في قوله : { إِلَيْهَا } على التجارةِ وَحْدَهَا لأنَّهَا أهَمُّ ، وهي كَانَتْ سَبَبَ اللَّهوِ ، ( ص ) : وقرئ ( إلَيْهِمَا ) بالتثنيةِ .