الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } الآية أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن جعفر قال حدّثنا علي بن حرب قال حدّثنا ابن فضيل قال حدّثنا حُصَين عن سالم بن الجعد عن جابر ابن عبد اللّه قال : أقبلت عيرٌ ونحن نصلّي مع النبّي ( عليه السلام ) الجمعة فانفضّ الناس إليها فما بقي غير إثني عشر رجلا أنا فيهم فنزلت { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } الآية .

وقال الحسن وأَبُو مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، فقدم دُحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلمّا رأوهُ قاموا إليه بالبقيع ، خشوا أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ رهط منهم أَبُو بكر وعمر ، فنزلت هذه الآية فقال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " والّذي نفس محمّد بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحدٌ منكم لسال بكم الوادي ناراً " .

قال المقاتلان : " بينا رسول اللّه ( عليه السلام ) يخطب يوم الجمعة إذ قدم دُحية بن خليفة بن فروة الكلبي ثم أحد بني الخزرج ثم أحد بني زيد بن مناة بن عامر من الشام بتجارة ، وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلاّ أتاه وكان يقدّم إذا قدم كل ما يحتاج إليه من دقيق أو بُرّ أو غيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يُسلم ، ورسول اللّه ( عليه السلام ) قائماً على المنبر يخطب ، فخرج النّاس فلم يبقَ في المسجد إلاّ إثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي ( عليه السلام ) : لولا هؤلاء لسوّمت عليهم الحجارة من السماء " وأنزل اللّه سبحانه هذه الآية ، وقال ابن عباس في رواية الكلبي لم يبق في المسجد إلاّ ثمانية رهط ، وقال ابن كيسان : رجوا إلاّ أحد عشر رجلا وامرأة .

قال قتادة ومقاتل : بلغنا أنّهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، وكل مرّة بعير تقدم من الشام ، وكل ذلك يوافق يوم الجمعة .

وقال مجاهد : كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر ، يقدّمون يتبعون التجارة واللهو ، فأنزل اللّه سبحانه { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } قال المفسّرون : يعني الطبل وذلك أنّ العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفير .

وقال جابر بن عبد اللّه : كان الجواري إذا نكحوا يمرّون بالمزامير والطبل فانفضّوا إليها ، فنزلت هذه الآية ، وقوله { انفَضُّواْ إِلَيْهَا } ردّ الكناية إلى التجارة لاّنّها أهم وأفضل ، وقد مضت هذه المسألة .

وقرأ طلحة بن مصرف { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا } .

{ وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } على المنبر .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أَبُو عَمُرو بن الحسن قال حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا حُصين عن مسعر وأبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن حسان عن عبيدة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه أنّه سئل : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً ؟

قال أما تقرأ { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } .

{ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } قرأ أَبُو رجاء العطاردي { خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } .

{ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } لأنّه مُوجد الأرزاق فإيّاه فاسألوا ومنه فاطلبوا .