الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة } الآية .

أخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن جابر بن عبدالله قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة ، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر ، فأنزل الله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } إلى آخر السورة .

وأخرج البزار عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقدم دحية بن خليفة يبيع سلعة له ، فما بقي في المسجد أحد إلا نفر ، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم ، فأنزل الله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } الآية .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً } قال : قدم دحية الكلبي بتجارة ، فخرجوا ينظرون إلا سبعة نفر .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً } قال : جاءت عير عبد الرحمن بن عوف تحمل الطعام ، فخرجوا من الجمعة ، بعضهم يريد أن يشتري ، وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية ، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ، وبقي في المسجد اثنا عشر رجلاً وسبع نسوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قدمت عير المدينة يوم الجمعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب ، فانفض أكثر من كان في المسجد ، فأنزل الله فيهم هذه الآية { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } .

وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل بن حيان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم الجمعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة قد قدم بتجارة ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف ، فخرج الناس ولم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء ، فأنزل الله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن مقاتل بن حيان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ويقوم قائماً ، وإن دحية الكلبي كان رجلاً تاجراً ، وكان قبل أن يسلم : قدم بتجارته إلى المدينة خرج الناس ينظرون إلى ما جاء به ويشترون منه ، فقدم ذات يوم ووافق الجمعة ، والناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وهو قائم يخطب ، فاستقبل أهل دحية العير حين دخل المدينة بالطبل واللهو ، فذلك اللهو الذي ذكر الله ، فسمع الناس في المسجد أن دحية قد نزل بتجارة عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، وسمعوا أصواتاً ، فخرج عامة الناس إلى دحية ينظرون إلى تجارته وإلى اللهو ، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ليس معه كبير عدة أحد ، فبلغني والله أعلم أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، وبلغنا أن العدة التي بقيت في المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة قليلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : «لولا هؤلاء ، يعني الذين بقوا في المسجد ؛ عند النبي صلى الله عليه وسلم : لقصدت إليهم الحجارة من السماء » ونزل { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة ، فإذا كان نكاح لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد ، وإذا نزل بالبطحاء جلب قال : وكانت البطحاء مجلساً بفناء المسجد الذي يلي بقيع الغرقد ، وكانت الأعراب إذا جلبوا الخيل والإِبل والغنم وبضائع الأعراب نزلوا البطحاء ، فإذا سمع ذلك من يقعد للخطبة قاموا للهو والتجارة وتركوه قائماً ، فعاتب الله المؤمنين لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً } .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } قال : رجال يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، إذ قدمت عير المدينة فانفضوا إليها وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق معه إلا رهط منهم أبو بكر وعمر ، فنزلت هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى معي أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً » .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الجمعة فخطبهم ووعظهم وذكرهم ، فقيل : جاءت عير ، فجعلوا يقومون حتى بقيت عصابة منهم فقال : «كم أنتم فعدوا أنفسكم » فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، ثم قام الجمعة الثانية فخطبهم ووعظهم وذكرهم ، فقيل : جاءت عير ، فجعلوا يقومون حتى بقيت عصابة منهم ، فقال : «كم أنتم فعدوا أنفسكم » ، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال : «والذي نفس محمد بيده لو أتبع آخركم أولكم لالتهب الوادي عليكم ناراً » وأنزل الله فيها { وإذا رأوا تجارة } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله : { أو لهواً } قال : هو الضرب بالطبل .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة أقبل شاء وشيء من سمن ، فجعل الناس يقومون إليه ، حتى لم يبق إلا قليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو تتابعتم لتأجج الوادي ناراً » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود أنه سئل : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً ؟ قال : أما تقرأ { وتركوك قائماً } .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن مرديه والبيهقي في سننه عن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً فقال : انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً وقد قال الله : { وتركوك قائماً } .

وأخرج أحمد وابن ماجة وابن مردويه عن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً .

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جابر بن سمرة قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما ، يقرأ القرآن ، ويذكر الناس .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب خطبتين يجلس بينهما .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة قائماً ، ثم يقعد ، ثم يقوم فيخطب .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه سئل عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقرأ { وتركوك قائماً } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة قال : سألت أبا عبيدة رضي الله عنه عن الخطبة يوم الجمعة ، فقرأ { وتركوك قائماً } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وأبو بكر وعمر وعثمان ، وإن أوّل من جلس على المنبر معاوية بن أبي سفيان .

وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس قال : الجلوس على المنبر يوم الجمعة بدعة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : إنما خطب معاوية قاعداً حين كثر شحم بطنه ولحمه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه الكريم ، فقال : السلام عليكم ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويقرأ سورة ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب ، ثم ينزل ، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن سمرة قال : كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم قصراً وصلاته قصراً .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول قال : إنما قصرت صلاة الجمعة من أجل الخطبة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه سئل عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقرأ { وتركوك قائماً } .

وأخرج ابن أبي الدنيا في شعب الإِيمان والديلمي عن الحسن البصري قال : طلبت خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة فأعيتني ، فلزمت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فقال : كان يخطب فيقول في خطبته يوم الجمعة : «يا أيها الناس إن لكم علماً فانتهوا إلى علمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، فإن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه ، فليتزوّد المؤمن من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشباب قبل الهرم ، ومن الصحة قبل السقم ، فإنكم خلقتم للآخرة ، والدنيا خلقت لكم والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ، وما بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار ، وأستغفر الله لي ولكم » .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن شهاب قال : بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب : «كل ما هو آت قريب ، لا بعد لما هو آت ، لا يعجل الله لعجلة أحد ، ولا يخف لأمر الناس ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، يريد الناس أمراً ويريد الله أمراً ، وما شاء الله كان ، ولو كره الناس ، لا مبعد لما قرب الله ، ولا مقرب لما بعد الله ولا يكون شيء إلا بإذن الله » .