الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

قوله : { انفَضُّواْ إِلَيْهَا } : أعاد الضمير على التجارة دونَ اللهو ؛ لأنها الأهمُّ في السبب . قال ابن عطية : " وقال : إليها ولم يقل : إليهما تَهَمُّماً بالأهمِّ ، إذ كانَتْ هي سببَ اللهوِ ولم يكن اللهوُ . سبَبَها . وتأمَّلْ أنْ قُدِّمِتْ التجارةُ على اللهو في الرؤية ؛ لأنها أهمُّ وأُخِّرت مع التفضيل ، لتقعَ النفسُ أولاً على الأَبْيَن " انتهى . وفي قولِه " لم يَقُلْ إليهما " ثم أَجابَ بما ذكَرَ نَظَرٌ لا يَخْفَى ؛ لأنَّ العطفَ ب " أو " لا يُثنَّى معه الضميرُ ولا الخبرُ ولا الحالُ ولا الوصف ؛ لأنها لأحدِ الشيئَيْن ، ولذلك تأوَّل الناسُ " إنْ يكُنْ غنياً أو فقيراً فاللَّهُ أَوْلى بهما " كما قَدَّمتهُ في موضعِه ، وإنما الجوابُ عنه : أنه وَحَدَّ الضميرَ لأنَّ العطفَ ب " أو " وإنما جيْءَ بضميرِ التجارة دونَ ضمير اللهوِ وإن كان جائزاً لِما ذكَره ابنُ عطيةَ مِنْ الجوابِ ، وهو الاختمام كما قاله غيرُ واحدٍ . وقد قال الزمخشريُّ قريباً ممَّا قاله ابنُ عطية فإنه قال : " كيف قال : إليها ، وقد ذكرَ شيئَيْن ؟ قلت : تقديرُه : إذ رأوا تجارةً انفَضُّوا إليها أو لَهْواً انفَضُّوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكورِ عليه ، وكذلك قراءةُ مَنْ قرأ " انفَضُّوا إليه " انتهى . قوله : قلتُ تقديرُه إلى آخره ، يُشْعِرُ ، بأنَّه كان حقُّ الكلام أَنْ يُثَنَّى الضمير ، ولكنه حُذِف . وفيه ما قَدَّمتُه لك : مِنْ أنَّ المانعَ مِن ذَلك أمرٌ صناعيٌ وهو العطفُ ب " أو " .

وقرأ ابن أبي عبلةَ " إليه " أعاد الضميرَ إلى اللهو وقد نَصَّ على جوازِ ذلك الأخفش سَماعاً من العرب نحو : " إذا جاءك زيد أو هند فأَكْرِمه " وإن شئْتَ " فأكرِمْها " . وقرأ بعضهُم " إليهما " بالتثنية . وتخريجُها كتخريجِ { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً } [ النساء : 135 ] وقد تقدَّم تحريرُه .

قوله : { وَتَرَكُوكَ } جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل " انفَضُّوا " و " قد " مقدرةٌ عند بعضِهم وقولِه { مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ } " ما " موصولَةٌ مبتدأ ، و " خيرٌ " خبرُها .