وعن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها ، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً » وفي رواية «أنا فيهم » فأنزل الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة } أي : حمولاً هي موضع للتجارة { أو لهواً } أي : ما يلهي عن كل نافع { انفضوا } أي : نفروا متفرقين من العجلة { إليها } أي : التجارة لأنها مطلوبهم دون اللهو ، وأيضاً العطف بأو فإفراد الضمير أولى . وقال الزمخشري : تقديره : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه . وذكر الكلبي وغيره : أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عن مجاعة وغلاء سعر ، وكان معه جميع ما تحتاج إليه الناس من بر ودقيق وغيره ، فنزل عند أحجار الزيت وضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه ، فخرج الناس إلا اثنى عشر رجلاً ، وقيل : أحد عشر رجلاً ، وقال ابن عباس في رواية الكلبي : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط . وقال الحسن وأبو مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، فلما لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً » .
وقال مقاتل بن حيان ، ومقاتل بن سليمان : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم المدينة لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته ، وكان يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وغيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وكانت في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فخرج إليه الناس ليتبايعوا منه ، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس ، ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لولا هؤلاء لرميت عليهم الحجارة من السماء » وأنزل الله تعالى هذه الآية والمراد باللهو الطبل .
وقيل : كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوا بالطبل والتصفيق . وقال علقمة : سئل عبد الله أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً فقال : أما تقرأ { وتركوك قائماً } وعن جابر بن عبد الله قال : «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس » وذكر أبو داود في مراسيله السبب الذي ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة ، وقد كانوا خليقاً لفضلهم أن لا يفعلوا ، فقال : حدثنا محمد بن خالد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني أبو معاذ بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حبان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة كالعيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل يقال له : دحية بن خليفة قدم بتجارة ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفوف فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الخطبة وأخر الصلاة ، وكان لا يخرج أحد لرعاف أو حدث بعد النهي حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام ، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ثم يشير إليه بيده ، فكان في المنافقين من تثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه مستتراً به حتى يخرج فأنزل الله تعالى : { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } [ النور : 63 ] الآية » . قال السهيلي : وهذا الخبر وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوجب أن يكون صحيحاً وقال قتادة : وبلغنا أنهم فعلوه ثلاث مرات كل مرة عير تقدم من الشام ، وكل ذلك يوافق يوم الجمعة .
وقيل : إن خروجهم لقدوم دحية بتجارته ونظرهم إلى العير ، وهي تمر لهو لا فائدة فيه إلا أنه كان مما لا إثم فيه لو وقع على ذلك الوجه ، ولكنه لما اتصل به الإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والانفضاض عن حضرته غلظ وكبر ، ونزل فيه من القرآن وتهجينه باسم اللهو ما نزل . وقوله تعالى : { وتركوك } أي : تخطب حتى بقيت في اثني عشر رجلاً ، قال جابر : أنا أحدهم { قائماً } جملة حالية من فاعل انفضوا ، وقد مقدرة عند بعضهم .
تنبيه : في قوله تعالى : { قائماً } تنبيه على مشروعيته في الخطبتين ، وهو من الشروط للقادر على القيام ، وأما أركانهما فخمسة : حمد الله تعالى ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظهما ، ووصية بتقوى الله ، وهذه الثلاثة في كل من الخطبتين ، وقراءة آية مفهمة ولو في إحداهما والأولى أولى ، ودعاء للمؤمنين والمؤمنات في ثانية ، ومن الشروط كونهما عربيتين ، وكونهما في الوقت ، وولاء ، وطهر ، وستر كالصلاة { قل } يا أشرف الخلق للمؤمنين { ما عند الله } أي : المحيط بجميع صفات الكمال { خير } ما موصولة مبتدأ وخير خبرها { من اللهو ومن التجارة } والمعنى : ما عند الله تعالى من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم ، وفائدة تجارتكم . وقيل : ما عند الله من رزقكم الذي قسمه لكم خير مما اقتسمتموه من لهوكم وتجارتكم { والله } أي : ذو الجلال والإكرام وحده { خير الرازقين } أي : خير من رزق وأعطى فاطلبوا منه ، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.