فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً } سبب نزول هذه الآية أنه كان بأهل المدينة فاقة وحاجة ، فأقبلت عير من الشام والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلاّ اثنا عشر رجلاً في المسجد . ومعنى { انفضوا إِلَيْهَا } تفرّقوا خارجين إليها . وقال المبرد : مالوا إليها ، والضمير للتجارة ، وخصت بإرجاع الضمير إليها دون اللهو لأنها كانت أهمّ عندهم ، وقيل التقدير : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهواً انفضوا إليه ، فحذف الثاني لدلالة الأوّل عليه كما في قول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأي مختلف

وقيل إنه اقتصر على ضمير التجارة ، لأن الانفضاض إليها إذا كان مذموماً مع الحاجة إليها فكيف بالانفضاض إلى اللهو ، وقيل غير ذلك { وَتَرَكُوكَ قَائِماً } أي على المنبر : ثم أمره الله سبحانه أن يخبرهم بأن العمل للآخرة خير من العمل للدنيا فقال : { قُلْ مَا عِندَ الله } يعني من الجزاء العظيم وهو الجنة { خَيْرٌ مّنَ اللهو وَمِنَ التجارة } اللذين ذهبتم إليهما وتركتم البقاء في المسجد وسماع خطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأجلها { والله خَيْرُ الرازقين } فمنه اطلبوا الرزق ، وإليه توسلوا بعمل الطاعة ، فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق وأعظم ما يجلبه .

/خ11