119- وإن قَسَمَه أن يضل الذين استهواهم بإبعادهم عن الحق ويثير أهواءهم وشهواتهم ، ويجعلهم يتيهون في أوهام وأمانٍ كاذبة يتمنونها ، وإذا صاروا بهذه الأهواء وتلك الأماني تحت سلطانه ، دفعهم إلى أمور غير معقولة ، وحملهم على أن يظنوها عبادة وهي أوهام كاذبة ، فوسوس لهم بأن يقطعوا آذان بعض الإبل ويُغَيِّروا خلق الله فيها ، وإن ما قطع أذنه لا يذبح ولا يعمل ولا يمنع من مرعى ، وكل ذلك بأوامره ، ثم يوسوس لهم بأنه دين ، وأنهم بهذا يتبعونه ، ويتخذونه نصيراً متبعاً من دون الله ، ومن يتخذه نصيراً متبعاً يخسر خسراناً واضحاً ، لأنه يضل عن الحقائق ويهمل عقله ، ويناله الفساد في الدنيا والعذاب في الآخرة .
قوله تعالى : { ولأضلنهم } يعني : عن الحق ، أي : لأغوينهم ، يقوله إبليس ، وأراد به التزيين ، وإلا فليس إليه من الإضلال شيء ، كما قال : { لأزينن لهم في الأرض } [ الحجر :39 ] .
قوله تعالى : { ولأمنينهم } ، قيل : أمنينهم ركوب الأهواء ، وقيل : أمنينهم أن لا جنة ولا نار ، ولا بعث ، وقيل : أمنينهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي .
قوله تعالى : { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام فليغرن خلق الله } . قال ابن عباس رضي الله عنهما ، والحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، والضحاك : يعني دين الله ، نظيره قوله تعالى : { لا تبديل لخلق الله } [ الروم :30 ] أي : لدين الله ، يريد وضع الله في الدين بتحليل الحرام ، وتحريم الحلال . وقال عكرمة وجماعة من المفسرين : فليغيرن خلق الله بالخصاء ، والوشم ، وقطع الآذان ، حتى حرم بعضهم الخصاء ، وجوزه بعضهم في البهائم ، لأن فيه غرضاً ظاهراً ، وقيل : تغيير خلق الله هو أن الله تعالى خلق الأنعام للركوب والأكل ، فحرموها ، وخلق الشمس والقمر والأحجار لمنفعة العباد فعبدوها من دون الله .
قوله تعالى : { ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله } أي : رباً يطيعه .
{ وَلأضِلَّنَّهُمْ } أي : عن الحق { وَلأمَنِّيَنَّهُمْ } أي : أزين لهم ترك التوبة ، وأعدهم الأماني ، وآمرهم بالتسويف والتأخير ، وأغرهم من أنفسهم .
وقوله : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ } قال قتادة والسدي وغيرهما : يعني تشقيقها{[8345]} وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة .
{ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } قال ابن عباس : يعني بذلك خصاء{[8346]} الدواب . وكذا روى عن ابن عمر ، وأنس ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وأبي عياض ، وأبي صالح ، وقتادة ، والثوري . وقد وَرَدَ في حديث النهي عن ذلك{[8347]} .
وقال الحسن ابن أبي الحسن البصري : يعني بذلك الوَشْم . وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه{[8348]} وفي لفظٍ : " لعن{[8349]} الله من فعل ذلك " . وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشِمات ، والنامصات والمُتَنَمِّصَاتِ ، والمُتَفَلِّجات للحُسْن المغيّرات خَلْقَ الله ، عز وجل ، ثم قال : ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، عز وجل ، يعني قوله : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [ الحشر : 7 ]{[8350]} .
وقال ابن عباس في رواية عنه ، ومجاهد ، وعكرمة أيضا وإبراهيم النخَعي ، والحسن ، وقتادة ، والحكم ، والسدّي ، والضحاك ، وعطاء الخُراساني في قوله : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } يعني : دين الله ، عز وجل . وهذا كقوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [ الروم : 30 ] على قول من جعل ذلك أمرا ، أي : لا تبدلوا فطرة الله ، ودعوا الناس على فطرتهم ، كما ثبت في الصحيحين{[8351]} عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفِطْرَة ، فأبواه يُهَوِّدانه ، ويُنَصِّرَانه ، ويُمَجِّسَانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعاء ، هل يَحُسّون فيها من جدعاء ؟ " وفي صحيح مسلم ، عن عياض بن حِمَار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إني خلقتُ عبادي حُنَفَاء ، فجاءتهم الشياطين فْاجْتَالَتْهُم عن دينهم ، وحَرّمت عليهم ما أحللت{[8352]} لهم " {[8353]} .
وقوله تعالى : { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } أي : فقد خسر الدنيا والآخرة ، وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.