{ وَلاَضِلَّنَّهُمْ } عن الحق { وَلامَنّيَنَّهُمْ } الأماني الباطلة وأقول لهم : ليس وراءكم بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فافعلوا ما شئتم ، وقيل : أمنيهم بطول البقاء في الدنيا فيسوفون العمل وقيل : أمنيهم بالأهواء بالباطلة الداعية إلى المعصية وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها وأدعو كلا منهم إلى ما يميل طبعه إليه فأصده بذلك عن الطاعة ، وروي الأول عن الكبي { وَلاَمُرَنَّهُمْ } بالتبتيك كما قال أبو حيان أو بالضلال كما قال غيره { فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ الانعام } أي فليقطعنها من أصلها كما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ، أو ليشقنها كما قال الزجاج بموجب أمري من غير تلعثم في ذلك ولا تأخير كما يؤذن بذلك الفاء ، وهذا إشارة إلى ما كانت الجاهلية تفعله من شق أو قطع أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكراً وتحريم ركوبها والحمل عليها وسائر وجوه الانتفاع بها .
{ وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ } ممتثلين به بلا ريث { خَلَقَ الله } عن نهجه صورة أو صفة ، ويندرج فيه ما ( فعل ) من فقء عين فحل الإبل إذا طال مكثه حتى بلغ نتاج نتاجه ، ويقال له الحامي وخصاء العبيد والوشم والوشر واللواطة والسحاق ونحو ذلك وعبادة الشمس والقمر والنار والحجارة مثلاً وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً ولا يوجب لها من الله سبحانه زلفى . وورد عن السلف الاقتصار على بعض المذكورات وعموم اللفظ بمنع الخصاء مطلقاً ، وروي النهي عنه عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء الخيل والبهائم » . وادعى عكرمة أن الآية نزلت في ذلك ، وأجاز بعضهم ذلك في الحيوان ، وأخرج ابن المنذر عن عروة أنه خصى بغلاً له ، وعن طاوس أنه خصى جملاً ، وعن محمد بن سيرين أن سئل عن خصاء الفحول ، فقال : لا بأس به ، وعن الحسن مثله ، وعن عطاء أنه سئل عن خصاء الفحل فلم ير به عند عضاضة وسوء خلقه بأساً . وقال النووي : «لا يجوز خصاء حيوان لا يؤكل في صغره ولا في كبره ويجوز إخصاء المأكول في صغره لأن فيه غرضاً وهو طيب لحمه ، ولا يجوز في كبره » ، والخصاء في بني آدم محظور عند عامة السلف والخلف ، وعند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه يكره شراء الخصيان واستخدامهم وإمساكهم لأن الرغبة فيهم تدعو إلى إخصائهم ، وخص من تغيير خلق الله تعالى الختان والوشم لحاجة وخضب اللحية وقص ما زاد منها على السنة ونحو ذلك ، وعن قتادة أنه قرأ الآية ثم قال : ما بال أقوام جهلة يغيرون صبغة الله تعالى ولونه سبحانه ، ولا يكاد يسلم له إن أراد ما يعم الخضاب المسنون كالخضاب بالحناء بل وبالكتم أيضاً لإرهاب العدو ، وقد صح عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم فعلوا ذلك منهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وحديث النهي محمول على غير ذلك { وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً مّن دُونِ الله } بإيثار ما يدعو إليه على ما أمر الله تعالى به ومجاوزته عن طاعة الله تعالى إلى طاعته ، وقيد { مِن دُونِ الله } لبيان أن اتباعه ينافي متابعة أمر الله تعالى وليس احترازياً كما يتوهم ، وأما ما قيل : من أنه ما من مخلوق لله تعالى إلا ولك فيه ولاية لو عرفتها ، ولك في وجوده منفعة لو طلبتها ، فلهذا قيدت الولاية بكونها من دون الله تعالى فناشىء من الغفلة عن تحقيق معنى الولاية فافهم { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي ظاهراً وأيّ خسران أعظم من استبدال الجنة بالنار ؟ وأي صفقة أخسر من فوات رضا الرحمن برضا الشيطان ؟ .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَلاَضِلَّنَّهُمْ } عن الطريق الحق { وَلامَنّيَنَّهُمْ } الأماني الفاسدة من كسب اللذات الفانية { وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ الانعام } أي فليقطعن آذان نفوسهم عن سماع ما ينفعهم { وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله } [ النساء : 119 ] وهي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.