فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

وقوله : { وَلأَضِلَّنَّهُمْ } اللام جواب قسم محذوف . والإضلال : الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية ، وهكذا اللام في قوله : { وَلأَمَنّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ } والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان : هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته . قوله : { وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ الأنعام } أي : ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام : أي : تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري . والبتك : القطع ، ومنه سيف باتك ، يقال بتكه وبتكه مخففاً ، ومشدّداً ، ومنه قول زهير :

طارت وفي كفه من ريشها بتك ***

أي : قطع . وقد فعل الكفار ذلك امتثالاً لأمر الشيطان واتباعاً لرسمه ، فشقوا آذان البحائر والسوائب ، كما ذلك معروف .

قوله : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرنَّ خَلْقَ الله } أي : ولآمرنهم بتغيير خلق الله ، فليغيرنه بموجب أمري لهم . واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو ؟ فقالت طائفة : هو الخصاء وفقء الأعين ، وقطع الآذان . وقال آخرون : إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار ، والنار ، ونحوها من المخلوقات لما خلقها له ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة ، وبه قال الزجاج وقيل المراد بهذا التغيير : تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملاً شمولياً ، أو بدلياً .

وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره ، وكره ذلك آخرون ، وأما خصاء بني آدم فحرام ، وقد كره قوم شراء الخصي . قال القرطبي : ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله ، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حدّ ولا قود ، قاله أبو عمر بن عبد البر .

{ وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً من دُونِ الله } باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ، ولا امتثال له { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي : واضحاً ظاهراً .

/خ122