الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

قوله : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ . . . } [ النساء :119 ] .

معنى ( أُضِلَّنَّهُمْ ) : أصرفُهُمْ عن طريقِ الهدى ، { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } لأسوِّلَنَّ لهم ، وأَمَانِيُّهُ لا تنحصرُ في نَوْعٍ واحدٍ ، والبَتْكَ : القَطْع .

وقوله : { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله } اختلف المتأوِّلون في معنى تَغْيير خَلْق اللَّه ، ومِلاَكُ تفسير هذه الآية أنَّ كلَّ تغييرٍ ضَارٍّ ، فهو داخلٌ في الآية ، وكلّ تغييرٍ نافعٍ فهو مباحٌ ، وفي «مختصر الطبريِّ » : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله } ، قال ابنُ عبَّاس : ( خَلْقَ اللَّهِ ) : دِينَ اللَّهِ ، وعن إبراهيم ، ومجاهدٍ ، والحسن ، وقتادَةَ ، والضَّحَّاك ، والسُّدِّيِّ ، وابْنِ زَيْدٍ مثله ، وفسَّر ابن زيد : { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله } [ الروم : 30 ] ، أيْ : لِدِينِ اللَّهِ ، واختارَ الطبريُّ هذا القوْلَ ، واستدلِّ له بقوله تعالى : { ذلك الدين القيم }[ التوبة :36 ] وأَجاز أنْ يدخل في الآية كلُّ ما نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ معاصيه ، والتَّرْكِ لطاعته . انتهى ، وهو حَسَنٌ .

قال ( ع ) : واللامَاتُ كلُّها للقَسَمِ ، قال ( ص ) : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } ، مفعوله محذوفٌ ، أي : عن الهدى ، وكذا : { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } ، أي : الباطلَ ، وكذا { وَلأَمُرَنَّهُمْ } ، أي : بالبَتْكِ ، ( فَلَيُبَتِّكُنَّ ) ، وكذا : { وَلأَمُرَنَّهُمْ } ، أي : بالتغيير ، ( فَلَيُغَيِّرُنَّ ) كُلَّ ما أوجده اللَّه للطَّاعَةِ ، فيستعينُونَ به في المَعْصِيَةِ ، انتهى .

ولما ذكر اللَّه سبحانه عُتُوَّ الشيطانِ ، وما توعَّد بهِ منْ بَثِّ مَكْرِهِ ، حَذَّر تبارك وتعالى عبادَهُ ، بأن شرط لمن يتَّخذه وليًّا جزاءَ الخُسْرَان .