فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

{ ولأضلنهم } اللام جواب قسم محذوف ، والإضلال الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية والمراد به التزيين والوسوسة وإلا فليس إليه من الإضلال شيء ، قال بعضهم لو كان الإضلال على إبليس لأضل جميع الخلق وهكذا اللام في قوله { ولأمنينهم } والمراد بالأماني التي يمينهم بها الشيطان هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته قال ابن عباس يريد تسويف التوبة وتأخيره .

قال الكلبي : أمنيهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ، وقيل إدراك الجنة مع المعاصي وقيل أزين لهم ركوب الأهواء والأهوال الداعية إلى العصيان وقيل طول البقاء في الدنيا ونعيمها ليؤثروها على الآخرة ، ولا مانع من حمل اللفظ على الجميع .

{ ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } أي ولأمرنهم بتبتيك آذانها أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري والبتك القطع ومنه سيف باتك يقال بتكة وبتكة مخففا ومشددا ، وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان وإتباعا لرسمه فشقوا آذان البحائر والسوائب{[541]} كما لك معروف ، قال قتادة : التبتيك في البحيرة والسائبة يبتكون آذانها لطواغيتهم { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } بموجب أمري لهم .

واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو فقالت طائفة : هو الخصي وفقء العين وقطع الأذن ، وقال آخرون : إن المراد هو أن سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة وبه قال الزجاج ، وقيل المراد تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقيل نفي الأنساب واستلحاقها أو بتغيير الشيب بالسواد أو بالتحريم والتحليل أو بالتخنث أو بتغيير دين الإسلام ، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا .

وقد رخص طائفة من العلماء في خصي البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره ، وكره ذلك آخرون وأما خصي بني آدم فحرام ، وقد كره قوم شراء الخصي ، قال القرطبي : لم يختلفوا أن خصي بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة ، وتغيير لخلق الله ، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود قاله أبو عمرو بن عبد البر .

أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصي البهائم والخيل ، وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح وإخصاء البهائم .

وعن ابن عباس فليغيرن خلق الله قال دين الله ، وعن الضحاك وسعيد ابن جبير مثله ، وعن الحسن قال الوشم ووصل الشعر ، وهذه الجمل الخمسة المحكية عن اللعين مما نطق به لسانه مقالا أو حالا ، وما فيها من اللامات الخمس للقسم كما تقدم .

{ ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله } بإتباعه وامتثال ما يأمر به وإيثار ما يدعو إليه من دون إتباع لما أمر الله به ولا امتثال له ، وقيل الولي من الموالاة وهو الناصر { فقد خسر } بتضييع رأس ماله الفطري { خسرانا مبينا } أي واضحا ظاهرا لأن طاعة الشيطان توصله إلى نار جهنم المؤبدة عليه وهي غاية الخسران .


[541]:البحيرة هي الناقة تشق أذنها وتخلى للطواغيت إذا ولدت خمسة أبطن آخرها ذكر والسائبة هي الناقة تسيب للأصنام لنحو برء من مرض أو نجاة في حرب.