فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

{ ولأضلنهم } عن الحق ، { ولأمنينهم } الأماني الباطلة ، وأقول لهم : ليس وراءكم بعث ، ولا نشر ، ولا جنة ، ولا نار ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فافعلوا ما شئتم ، وقيل : أمنيهم طول البقاء في الدنيا فيسوفون العمل ، . . . ، وروى الأول عن الكلبي { ولآمرنهم } بالتبتيك-كما قال أبو حيان- أو : بالضلال ، كما قال غيره { فليبتكن آذان الأنعام } أي فليقطعنها من أصلها ، كما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ، أو : ليشقنها -كما قال الزجاج- بموجب أمري ، وذا إشارة إلى ما كانت الجالية تفعل من شق أو قطع أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا ؛ وتحريم ركوبها ، والحمل عليها ، وسائر وجوه الانتفاع بها { ولآمرنهم فليغيرن } ممتثلين بلا ريث { خلق الله } عن نهجه وصورة أو صفة ، ويندرج فيه ما فعل من فقء عين فحل الإبل إذا طال مكثه حتى بلغ نتاج نتاجه- ويقال له الحامي- ، وخصاء العبيد ، والوشم( {[1534]} ) ، والوشر ، واللواطة ، والسحاق ونحو ذلك ، وعبادة الشمس والقمر والنار والحجارة مثلا ، وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على الناس كمالا ، ولا يوجب لها من الله سبحانه زلفى-( {[1535]} ) ؛ { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } من يتابع الشيطان يستحوذ عليه ، ويسلكه في حزبه ليكونا من أهل النار ، وذلك غاية الخسران والهلاك والبوار ، - بخس نفسه حظها فأوبقها بخسا . . يبين عن عطبه وهلاكه ، لأن الشيطان لا يملك له نصرا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمره ، بل يخذله عند حاجته إليه-( {[1536]} ) .


[1534]:قال ابن مسعود والحسن ما حاصله: الوشم: التصنع للحسن، ومن ذلك الحديث الصحيح عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" أخرجه مسلم؛ والوشم يكون في اليدين، وهو أن يغرز ظهر كف المرأة ومعصمها بإبرة ثم يحشى بالكحل فيخضر؛ والمتنمصات : جمع متنمصة، وهي التي تقلع الشعرمن وجهها بالمنماص، وهو الذي يقلع الشعر؛ ويقال لها النامصة؛ والمتفلجات جمع متفلجة، وهي التي تفعل الفلج في أسنانها؛ أي تعانيه، حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة؛ وقالت طائفة: المراد بتغيير خلق الله هو أن الله خلق الشمس والقمر والأحجار والنار وغيرها من المخلوقات؛ ليعتبر بها وينتفع بها، فغيرها الكفار وجعلوها آلهة معبودة؛ قال الزجاج: إن الله تعالى خلق الأنعام لتركب وتؤكل فحرموها على أنفسهم، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها؛ فقد غيروا خلق الله وقال جماعة من أهل التفسير: مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة؛ قال ابن العربي: روى عن طاووس أنه كان لا يحضر نكاح سوداء بأبيض ولا بيضاء بأسود، ويقول: هذا من قول الله:{ فليغيرن خلق الله }..ا هـ وعلماء الأحكام لا يرون من المثلة ولا تعذيب الحيوان ولا من تغيير خلق الله: الوسم والإشعار، والوسم: الكي بالنار وأصله العلامة، لما ثبت في صحيح مسلم عن أنس قال رأيت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميسم وهو يسم إبل الصدقة والفيء وغير ذلك حتى يعرف كل مال فيؤدي في حقه، ولا يتجاوز به إلى غيره؛ يقول الفقهاء: والوسم جائز في كل الأعضاء غير الوجه، لما رواه جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه؛ أخرجه مسلم؛ وإنما كان ذلك لشرفه على الأعضاء، إذ هو مقر الحسن والجمال، ولأن به قوام الحيوان، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يضرب عبده فقال:" اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" أي على صورة المضروب أي وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم، فينبغي أن يحترم لشبهه؛ وهذا أحسن ما قيل في تأويله، والله أعلم. الوشر: تحريز يصنع في الأسنان تشبها بالشابات؛ ربما تفعله المرأة الكبيرة.
[1535]:من روح المعاني.
[1536]:من جامع البيان.