معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر ، والحسن ، وقتادة والضحاك . وقال عبد الله بن مسعود : { الماعون } الفأس ، والدلو ، والقدر ، وأشباه ذلك ، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . قال مجاهد : { الماعون } العارية . وقال عكرمة : أعلاها الزكاة المعروفة ، وأدناها عارية المتاع . وقال محمد بن كعب والكلبي : { الماعون } المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم . قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له : سعة ولا منعة ، أي شيء قليل ، فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً ؛ لأنه قليل من كثير . وقيل : { الماعون } ما لا يحل منعه ، مثل : الماء ، والملح ، والنار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون . يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية . يمنعون الماعون عن عباد الله . ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله . .

وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة ، وأمام طبيعة هذا الدين . ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل . لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا . إنما أدوا حركات لا روح فيها . ولم يتجردوا لله فيها . إنما أدوها رياء . ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء . بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء !

وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .

إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .

فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير ? وهذه الرحمة ? وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ? أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ?

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

{ يمنعون الماعون } الزكاة أو ما يتعاور في العادة ، والفاء جزائية ، والمعنى إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين ، والرياء الذي هو شعبة من الكفر ، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإسلام ، أحق بذلك ، ولذلك رتب عليها الويل ، أو للسببية على معنى فويل لهم ، وإنما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على سوء معاملتهم مع الخالق والخلق .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة ( أرأيت ) غفر له إن كان للزكاة مؤديا " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

وقوله تعالى : { ويمنعون الماعون } وصف لهم بقلة النفع لعباد الله ، وتلك َشُّر خلة{[12000]} ، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر : { الماعون } ، الزكاة ، وقال الراعي : [ الكامل ]

قوم على الإسلام لما يمنعوا . . . ماعونهم ويضيعوا التهليلا{[12001]}

وقال ابن مسعود : هو ما يتعاطاه الناس بينهم كالفأس والدلو والآنية والمقص ونحوه ، وقاله الحسن وقتادة وابن الحنفية وابن زيد والضحاك وابن عباس ، وقال ابن المسيب : { الماعون } بلغة قريش : المال ، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : «الماء والنار والملح » روته عائشة رضي الله عنها ، وفي بعض الطرق زيادة ( والإبرة والخمير ){[12002]} ، وحكى الفراء عن بعض العرب أن { الماعون } الماء : وقال ابن مسعود : كنا نعد { الماعون } على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية القدر والدلو ونحوها .


[12000]:الخلة: الصفة أو الخصلة.
[12001]:هذا واحد من أبيات قالها عبيد بن حصين الراعي، وهي: أخليفة الإسلام إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله من أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا والبيت الأخير في اللسان، والرواية فيه: "قوم على التنزيل"، و"يبدلوا التنزيلا" وفي التهذيب: "ويبدلوا تبديلا". والبيت شاهد على أن الماعون هو الزكاة، قال صاحب اللسان: "وعليه العمل، وهو من السهولة والقلة لأنها جزء من كل".
[12002]:خرجه ابن ماجه في سننه، وفي إسناده لين، وذكره الثعلبي في تفسيره، ولفظه أن عائشة رضوان الله عليها قالت: قلت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: (الماء والنار والملح) قلت: يا رسول الله، هذا الماء، فما بال النار والملح؟ فقال: (يا عائشة من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق ستين نسمة، ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد فكأنما أحيا نفسا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

{ ويمنعون الماعون } أي الصدقة أو الزكاة ، قال تعالى في المنافقين : { ويقبضون أيديهم } [ التوبة : 67 ] فلما عُرفوا بهذه الخلال كان مفاد فاء التفريع أن أولئك المتظاهرين بالصلاة وهم تاركوها في خاصتهم هم من جملة المكذبين بيوم الدين ويدُعُّون اليتيم ولا يحضّون على طعام المسكين .

وحكى هبة الله بن سَلاَمَة في كتاب « الناسخ والمنسوخ » : أن هذه الآيات الثلاث نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، أي فإطلاق صيغة الجمع عليه مراد بها واحد على حد قوله تعالى : { كذبت قوم نوح المرسلين } [ الشعراء : 105 ] أي الرسول إليهم .

والسهو حقيقته : الذهول عن أمر سبق عِلمُه ، وهو هنا مستعار للإِعراض والترك عن عمد استعارة تهكمية مثل قوله تعالى : { وتنسون ما تشركون } [ الأنعام : 41 ] أي تعرضون عنهم ، ومثله استعارة الغفلة للإعراض في قوله تعالى : { بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } في سورة الأعراف ( 136 ) وقوله تعالى : { والذين هم عن آياتنا غافلون } في سورة يونس ( 7 ) ، وليس المقصود الوعيد على السهو الحقيقي عن الصلاة لأن حكم النسيان مرفوع على هذه الأمة ، وذلك ينادي على أن وصفهم بالمصلين تهكم بهم بأنهم لا يصلون .

واعلم أنه إذا أراد الله إنزال شيء من القرآن ملحقاً بشيء قبله جعَل نظم الملحق مناسباً لما هو متصل به ، فتكون الفاء للتفريع . وهذه نكتة لم يسبق لنا إظهارها فعليك بملاحظتها في كل ما ثبت أنه نزل من القرآن ملحقاً بشيء نزل قبله منه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول : ويمنعون الناس منافع ما عندهم ، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته ، يقال للماء الذي ينزل من السحاب : ماعون...

واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُنِيَ به الزكاة المفروضة ...

وقال آخرون : هو ما يتعاوَرُهُ النّاس بينهم من مثل الدّلو والقِدر ونحو ذلك ...

وقال آخرون : الماعون : المعروف ...

وقال آخرون : الماعون : هو المال ...

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل ، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم ، وأنهم يمنعونه الناس ، خبرا عاما ، من غير أن يخصّ من ذلك شيئا ، أن يقال : إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ؛ لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض .

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله تعالى : { ويمنعون الماعون } وصف لهم بقلة النفع لعباد الله ، وتلك َشُّر خلة...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ويمنعون } أي على تجدد الأوقات ، وحذف المفعول الأول تعميماً حتى يشمل كل أحد وإن جل وعظمت منزلته ولطف محله من قلوبهم ، تعريفاً بأنهم بلغوا من الرذالة دركة ليس وراءها للحسد موضع { الماعون } أي حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع ، مثل إعارة التافه من متاع البيت التي جرت عادة الناس أن يتعاوروه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ، والحاصل أنه ينبغي حمل ذلك على منع ما يجب بذله ، مثل فضل الكلأ والماء والزكاة ونحوه ، ليكون موجباً للويل ...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{ ويمنعون الماعون } أي ما يعان به الخلق ، ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة ، وكل ما ينتفع به ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون . يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية . يمنعون الماعون عن عباد الله . ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله . .

وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة ، وأمام طبيعة هذا الدين . ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل . لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا . إنما أدوا حركات لا روح فيها . ولم يتجردوا لله فيها . إنما أدوها رياء . ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء . بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء !

وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .

إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .

فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير ? وهذه الرحمة ? وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ? أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ?

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والترك عن عمد استعارة تهكمية ....وليس المقصود الوعيد على السهو الحقيقي عن الصلاة لأن حكم النسيان مرفوع على هذه الأمة ، وذلك ينادي على أن وصفهم بالمصلين تهكم بهم بأنهم لا يصلون...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«الماعون » من «المَعن » وهو الشيء القليل . وكثير من المفسّرين قالوا : إنّ المقصود من «الماعون » الأشياء البسيطة التي يستعيرها أو يقتنيها النّاس ، وخاصّة الجيران من بعضهم ، مثل حفنة الملح ، والماء ، والنّار ( الثقاب ) ، والأواني وأمثالها .

واضح أنّ الذي يبخل في إعطاء مثل هذه الأشياء إلى غيره إنسان دنيء عديم الإيمان . أي إنّه بخيل إلى درجة الإباء عن إعطاء مثل هذه الأشياء . بينما يمكن لهذه الأشياء البسيطة أن تسدّ الاحتياجات الكبيرة . ومنعها يؤدي إلى بروز مشاكل كثيرة في حياة الأفراد .

وقيل : إنّ الماعون يعني الزكاة ؛ لأنّ الزكاة تشكل نسبة قليلة من أصل المال قد تبلغ عشرة بالمائة ، وأحياناً خمسة بالمائة ، وأحياناً اثنين ونصف بالمائة .

منع الزكاة طبعاً من أفظع السيئات ؛ لأنّ الزكاة تحل كثيراً من مشاكل المجتمع الاقتصادية ...

ذكر هاتين الصفتين بشكل متوال ( الرياء ومنع الماعون ) كأنه إشارة إلى أن هؤلاء المكذبين بالدين يؤدون ما للّه بنية النّاس ، وما للناس يمنعونه عنهم ، ومن هنا لا يصيب أي ذي حقّ حقّه ...

ـ تلخيص موضوعات سورة الماعون:

في هذه السّورة القصيرة ، ذكر اللّه سبحانه مجموعة من الصفات الرذيلة التي إن اتصف بها شخص فهي دليل عدم إيمانه ودناءته وحقارته . ويلاحظ أنّها جميعاً فروع لظاهرة التكذيب بيوم الدين ، أي بيوم الجزاء .

إهانة اليتامى ، وترك إطعام المساكين ، والتهاون في الصلاة ، والرياء ، وعدم التعاون مع النّاس حتى في إعارة الأشياء الصغيرة . . . تشكل بمجموعها طبيعة حياة هؤلاء المكذبين .

من هنا فهؤلاء أناس بخلاء ذاتيون أنانيون متظاهرون لا ارتباط لهم بالخالق ولا بخلقه . . . أناس خلت نفوسهم من نور الإيمان والشعور بالمسؤولية ، لا بثواب اللّه يفكرون ، ولا من عذابه يخشون .

ـ التظاهر والرياء بلاء اجتماعي كبير

قيمة كلّ عمل تتوقف على دافعه ، وبالتعبير الإسلامي : أساس كلّ عمل نية عامله .

الإسلام يركز على النية في تقويم الأعمال ...

إنّ النية هي التي تصوغ شكل العمل دائماً . من كان يعمل للّه جعل أساس عمله مستحكماً ، وسعى بكل جهده إلى أن يستفيد منه النّاس أكثر الاستفادة . لكن المتظاهر المرائي يكتفي بزخرفة الظاهر وتنميقه ، من دون أن يهتم بعمق العمل وباطنه وبحاجة المحتاجين إليه .

المجتمع الذي يتعود على الرياء لا يبتعد عن اللّه وعن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة فحسب ؛ بل تصبح كلّ برامجه الاجتماعية فارغة خالية المحتوى ، لا تتعدى مجموعة من المظاهر ، وإنّها لمأساة أن يكون مصير الفرد ومصير المجتمع بهذا الشكل .

ختام السورة:

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ومن منع هذه الأشياء التافهة كان جديراً بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر ، وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن ، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها ، من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر ، للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق ، والانجذاب مع النقائص ، إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم ، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة ، فكان ذلك موجباً للميل إلى أعظم الويل....

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

من تلقينات السورة الرئيسية تقريرها لكون جحود الإنسان للآخرة هو الذي يشجعه على اقتراف الآثام في الدنيا ، وعلى قسوة القلب إزاء الضعفاء واليتامى والمساكين ، إذا أمن الجزاء والمقابلة ، وفي هذا توكيد لتقريرات قرآنية سابقة ، ولحكمة الله التي جعلت للحياة الدنيا تتمة في حياة أخرى لجزاء كل امرئ بما عمل . كما أن فيه مظهرا من مظاهر حكمة التنزيل في تكرار الإنذار بالحياة الأخرى ، وجعل الإيمان بها ركنا من أركان الإسلام ، على ما شرحناه في سياق سورة الفاتحة . وتخصيص اليتيم والمسكين بالذكر لا يعني -كما هو المتبادر- أن قهر الأول وحرمان الثاني هما عنوان التكذيب بالآخرة وجزائها حصرا . فهذا أسلوب من أساليب القرآن ، وهناك آيات قرآنية كثيرة- منها مما سبق -تذكر آثاما أخرى عامة وخاصة يقترفها الإنسان نتيجة لجحوده ذلك . وقد يعني تخصيص ذلك بالذكر هنا قصد التنويه بخطورة أمر اليتيم والمسكين . وهو ما تكرر كثيرا في القرآن ، وقد سبق منه أمثلة عديدة ، وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار . وفي التنديد بالمصلين اللاهية قلوبهم عن صلاتهم تنبيه لوجوب تذكر المصلي الله ، وإفراغ قلبه له حينما يقف أمامه متعبدا ، وتقرير ضمني بأنه بذلك فقط يتأثر بصلاته تأثرا يبعث فيه السكينة والطمأنينة ، ويرتفع به إلى أفق الروحانية العلوية كما هو مجرب عند كل من يفعل ذلك حقا . ويوقظ فيه الضمير ، فيبتعد عن الفحشاء والمنكر ، ويندفع نحو الخير والصلاح . وكل هذا من مقاصد الصلاة بالإضافة إلى كونها واجب العبادة ومظهر الخضوع لله ، على ما شرحناه في سياق سورة العلق . أما اللاهون فلا يتأثرون ذلك التأثير الباعث الموقظ الوازع الدافع ، فتكون صلاتهم عملا آليا لا روح فيها ولا حياة ، ويكون القصد منها الرياء والخداع ، ولا تكون بعد مقبولة عند الله . وجملة { يراؤون } [ 6 ] جاءت مطلقة لتنعي الرياء على الإنسان إطلاقا ، سواء أكان يرائي في صلاته أم في أي موقف وعمل آخر . وتتضمن بناء على ذلك تنديدا بخطورة خلق الرياء وبشاعته ؛ حيث يكون المتخلق به أمام الله مخادعا ، وأمام الناس كاذبا مضللا ساخرا ، وتنبيها إلى ما في انتشار هذا الخلق في مجتمع من المجتمعات من الشر العام . ولقد تكرر النعي القرآني على هذا الخلق والنهي عنه كما جاء في سورة البقرة هذه : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رثاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين }....