الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

{ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } حدّثنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا ابن الشرقي قال : حدّثنا محمد بن إسحاق الصعالي ببغداد قال : حدّثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال : حدّثنا عكرمة بن إبراهيم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مصعب بن سعيد ، عن سعيد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه : { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ إذا غاب الناس ، ويصلونها في العلانية إذا حضروا . بيانه قوله سبحانه :{ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ } [ النساء : 142 ] الآية ، مجاهد : لاهون غافلون عنها ، متهاونون بها . وقال قتادة : ساه عنها ، لا يبالي صلى أم لم يصل .

وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي قال : حدّثني رجل عن أبي بردة الأسلمي قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } : " الله أكبر ، هذه خير لكم من أن لو أعطى كل رجل منكم مثل جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلواته ، وإن تركها لم يخف ربه " ، وبه عن ابن جرير قال : حدّثني أحمد بن عبد عبد الرحيم البرقي قال : حدّثنا عمرو بن أبي مسلمة قال : سمعت عمر بن سليمان يحدّث ، عن عطاء بن دينار أنه قال : الحمد لله الذي قال : و { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل في صلاتهم ، الحسن : هو الذي إن صلاّها صلاها رياء ، وإن فاتته لم يندم . أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمّون ركوعها ولا سجودها . وعنه أيضاً : هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً . الضحاك : هم الذين يتركون الصلاة . { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } أخبرنا أبو بكر الجمشادي ، حدّثنا أبو بكر القطيعي قال : حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال : حدّثنا أبو عمر الضرير قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن إسماعيل السهمي ، عن أبي صالح ، عن علي رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قال : هي الزكاة ، وإليه ذهب ابن عمر والحسن وقتادة وابن الحنفية والضحاك .

وأخبرنا الجمشادي قال : أخبرنا العطيفي قال : حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال : حدّثنا أبو عمر الضرير قال : حدّثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله في الماعون قال : الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك ، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . مجاهد عنه : هو العارية ومتاع البيت . عطية عنه : هو الطاعة . محمد بن كعب والكلبي : الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم . سعيد بن المسيب والزهري ومقاتل : الماعون : المال بلغة قريش ، قال الأعشى :

بأجود منه بماعونه *** إذا ما سماؤهم لم تغم

وأخبرنا محمد بن عبدوس في آخرين قالوا : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن الجهم قال : حدّثنا الفراء قال : سمعت بعض العرب يقول : الماعون هو الماء ، وأنشدني فيه :

يمج صَبيْرة الماعون صباً

والصبير : المنجاب .

وقال أبو عبيد والمبرد : الماعون في الجاهلية : كلّ منفعة وعطية وعارية ، وهو في الإسلام : الطاعة والزكاة ، قال حسان بن قحافة :

لا يحرم الماعون منه الخابطا

ويقول العرب : [ ولقد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعاً ] تعطيك الماعون ، أي الطاعة والانقياد ، قال الشاعر :

متى يجاهدهن بالبرين *** يخضعن أو يعطين بالماعون

وحكى الفراء أيضاً عن بعضهم أنه قال : ماعون من الماء المعين . وقال قطرب : أصل الماعون من القلّة ، يقول العرب : ماله سعنة ولا معنة ، أي شيء قليل ، فسمّى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً ؛ لأنه قليل من كثير ، وقيل : الماعون ما لا يحل منعه ، مثل الماء والملح والنار ، يدلّ عليه ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عمرو بن مرداس قال : حدّثنا محمد بن بكر قال : حدّثنا عثمان بن مطر ، عن الحسن بن أبي جعفر ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيّب ، عن عائشة أنّها قالت : يا رسول الله ، ما الذي لا يحلّ منعه ؟ قال : " الماء والملح والنار " . فقالت : يارسول الله ، هذا الماء ، فما بال النار والملح ؟ فقال لها : " يا حميراء ، من أعطى ناراً فكأنما تصدّق بجميع ما طبخ بذلك النار ، ومن أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيّب بذلك الملح ، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق ( ستين نسمة ) ، ومن سقى شربة ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما إحيا نفساً " . قال الراعي :

قومٌ على الاسلام لمّا يمنعوا *** ماعونهم ويمنعوا التهليلا