اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } . في «المَاعُون » أوجه :

أحدها : «فاعول » من المعن ، وهو الشيء القليل ، يقال : ما له معنة ، أي : قليل ، قاله قطربٌ .

الثاني : أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [ والأصل : مَعُون ، وكان من حقّه على هذا أن يقال : معون ك «مقول » و«مصون » اسم مفعول من : قال وصان ، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها ، فصار موعون ، ثم قلبت الواو الأولى ألفا كقولهم تاب وصام في توبة وصومة ، فوزنه الآن مفعول ، وفيه شذوذ معان كقام ، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي .

الثاني : القلب ، وهو خلاف الأصل .

الثالث : قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك ، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه ، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب ، فإنه بزنة معوون الوجه ]{[60940]} .

والثالث : أن أصله «معونة » ، والألف عوض عن الهاء .

ووزنه «مفعل » ك «ملوم » ، ووزنه بعد الزيادة «مافعل » .

فصل في تفسير الماعون

اختلف المفسرون في «الماعون » ، وأحسنها : أنه ما كان يستعان به ، وينتفع به كالفأس والدلو ، والمقدحة .

قال الأعشى : [ المتقارب ]

5323- بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ *** إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ{[60941]}

ولم يذكر المفعول للمنع ، إما للعلم به ، أي : يمنعون النَّاس ، أو الطالبين ، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه ، تنبيهاً لخساستهم ، وضَنّهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد .

فإن قيل : هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة ، والرياء ، ومنع الماعُون ، وذلك من باب الذنوب ، ولا يصير المرء به منافقاً ، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل ؟ فالجواب من وجوه :

الأول : قال ابن الخطيب{[60942]} : المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال ، وعلى هذا التقدير : دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ ، وتركه واجبات الشَّرع ، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام .

الثاني : قيل لعكرمة : من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ ؟ فقال : لا ، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل ، يعني : ترك الصلاةِ ، وفعل الرياء ، وترك الماعون .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورَةَ { أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين } غَفرَ اللهُ لهُ إنْ كَان مُؤدِّياً للزَّكَاةِ »{[1]} والله تعالى أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60940]:سقط من: ب.
[60941]:ينظر ديوانه (2170)، والقرطبي 20/145، والبحر 8/515، والدر المصون 6/576.
[60942]:الفخر الرازي 32/107.