91- قالوا : يا شعيب ما نعقل كثيراً مما تقوله لنا ، ونؤكد لك أننا نراك بيننا ضعيفاً لا قدرة لك على الدفاع ، وعلى الإقناع ، إن أردنا بك ما تكره ، ولولا مجاملتنا لعشيرتك ، لأنها على ديننا ، لقتلناك رجماً بالحجارة ، وما أنت علينا بعزيز حتى نجلَّك ونحترمك ونكرمك ونصونك عن القتل بالرجم ، وإنما هي المجاملة لعشيرتك تمنعنا عن قتلك .
ولكن القوم كانوا قد بلغوا من فساد القلوب ، ومن سوء تقدير القيم في الحياة ، وسوء التصور لدوافع العمل والسلوك ، ما كشف عنه تبجحهم من قبل بالسخرية والتكذيب :
( قالوا : يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ، وإنا لنراك فينا ضعيفا ، ولولا رهطك لرجمناك ، وما أنت علينا بعزيز ) . .
فهم ضيقو الصدور بالحق الواضح ، لا يريدون أن يدركوه :
( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ) . .
وهم يقيسون القيم في الحياة بمقياس القوة المادية الظاهرة :
فلا وزن عندهم للحقيقة القوية التي يحملها ويواجههم بها .
ففي حسابهم عصبية العشيرة ، لا عصبية الاعتقاد ، وصلة الدم لا صلة القلب . ثم هم يغفلون عن غيرة الله على أوليائه فلا يضعونها في الحساب .
لا عزة التقدير والكرامة ولا عزة الغلب والقهر . ولكننا نحسب حساب الأهل والعشيرة !
وحين تفرغ النفوس من العقيدة القويمة والقيم الرفيعة والمثل العالية ؛ فإنها تقبع على الأرض ومصالحها القريبة وقيمها الدنيا ؛ فلا ترى حرمة يومئذ لدعوة كريمة ، ولا لحقيقة كبيرة ؛ ولا تتحرج عن البطش بالداعية إلا أن تكون له عصبة تؤويه ؛ وإلا أن تكون معه قوة مادية تحميه . أما حرمة العقيدة والحق والدعوة فلا وزن لها ولا ظل في تلك النفوس الفارغة الخاوية .
يقولون : { يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } أي : ما نفهم ولا نعقل كثيرًا من قولك ، وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب . { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } .
قال{[14891]} سعيد بن جبير ، والثوري : كان ضرير البصر . قال الثوري : وكان يقال له : خطيب الأنبياء .
[ وقال السدي : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال : أنت واحد ]{[14892]} .
[ وقال أبو روق : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } يعنون : ذليلا ؛ لأن عشيرتك ليسوا على دينك ، فأنت ذليل ضعيف ]{[14893]} .
{ وَلَوْلا رَهْطُكَ } أي : قومك وعشيرتك ؛ لولا معزة قومك علينا لرجمناك ، قيل{[14894]} بالحجارة ، وقيل : لسبَبْنَاك ، { وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي : ليس لك عندنا معزة .
{ قالوا يا شعيب ما نفقه } ما نفهم . { كثيرا مما تقول } كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما ، وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم . وقيل قالوا ذلك استهانة بكلامه ، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم عنه . { وإنا لنراك فينا ضعيفا } لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا ، أو مهينا لا عزّ لك ، وقيل أعمى بلغة حمير وهو مع عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف ، ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياسا على القضاء والشهادة والفرق بين { ولولا رهطك } قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم ، فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة . { لرجمناك } لقتلناك برمي الأحجار أو بأصعب وجه . { وما أنت علينا بعزيز } فتمنعنا عزتك عن الرجم ، وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد . وفي إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة ، وأن المانع لهم عن إيذائه عزة قومه . ولذلك { قال يا قوم أرهطي أعزّ عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظِهريّاً }
وقوله تعالى : { قالوا : يا شعيب } الآية ، { نفقه } معناه : نفهم وهذا نحو قول قريش { قلوبنا في أكنة }{[6480]} ومعنى : «ما نفقه ما تقول » أي ما نفقه صحة قولك ، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل ، وروي عن ابن جبير وشريك القاضي في قولهم : { ضعيفاً } أنه كان ضرير البصر أعمى ، وحكى الزهراوي : أن حمير تقول للأعمى : ضعيف ، كما يقال له : ضرير ، وقيل : كان ناحل البدن زمنه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه ؛ والظاهر من قولهم : { ضعيفاً } أنه ضعيف الانتصار والقدرة ، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه .
و «الرهط » جماعة الرجل{[6481]} ، ومنه الراهطاء لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه{[6482]} . و { لرجمناك } قيل : معناه بالحجارة - وهو الظاهر وقاله ابن زيد - وقيل معناه : { لرجمناك } بالسب - وبه فسر الطبري . وهذا أيضاً تستعمله العرب . ومنه قوله تعالى : { لأرجمنك واهجرني ملياً }{[6483]} ، وقولهم { بعزيز } أي بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.