تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيزٖ} (91)

وقوله تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ) قوله : ( ما نفقه ) يحتمل ما نفهم ، وما نعقل ( كثيرا ) مما تقول لأن كلامك كلام مجانين ، وهذه هي عادة القوم ؛ كانوا ينسبون الرسل إلى الجنون . ويحتمل ( ما نفقه ) ما نقبل ( كثيرا مما تقول ) فإن كان على الفهم فهو كقوله : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )[ الملك : 10 ] وهم كانوا فريقين .

[ فريق ][ ساقطة من الأصل وم ] كانوا يقولون : قلوبنا أوعية العلم كقولهم : ( قلوبنا غلف )[ البقرة : 88 ] فإن كان ما تقولوا حقا نفهم ونعقل كما نعقل غيره ، وفريق /245-أ/ قالوا ( قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر )[ فصلت : 5 ] كانوا يعقلون أنهم لا يفهمون ولا يفقهون لأن قلوبهم في أكنة وفي آذانهم وقرا .

الفريق الأول يقول : إن قلوبنا أوعية للعلم . فلو كان [ قولك ][ ساقطة من الأصل وم ] حقا لعقلنا[ في الأصل وم : لنعقل ] كما عقلنا غيره ، فهؤلاء يصرفون العيب إلى الرسول وأولئك إلى أنفسهم . فعلى ذلك قوم شعيب يحتمل أن يكون كذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ) يحتمل هذا وجهين

أحدهما : أي إنك لست من كبرائنا وأجلتنا إنما أنت من أوساطنا . وعلى ذلك الأنبياء إنما بعثوا من أوساط الناس لا من كبرائهم من أمر الدنيا . فالقوي والعزيز عند أولئك القوم من عنده الدنيا والمال . وأما من لم يكن عنده المال فهو عندهم ضعيف ذليل لأنهم لم يعرفوا الدين ولا يؤمنون بالآخرة لذلك قالوا ما قالوا .

والثاني : لست أنت بذي قوة وبطش في نفسك ، وقد ذكر أنه كان ضعيفا في بصره ونفسه . يحتمل وصفهم [ إياه ][ ساقطة من الأصل وم ] بالضعيف لهذين الوجهين والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ) أي قبيلتك وقيل : عشيرتك ( لرجمناك ) الرجم يحتمل القتل ويحتمل اللعن والشتم .

ثم يحتمل قوله : ( وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ) وجهين

أحدهما : ( وَلَوْلا رَهْطُكَ ) أي لولا حرمة رهطك لرجمناك كأنهم كانوا يحرمون [ رجمه ][ ساقطة من الأصل وم ] لموفقة رهطه إياه في العبادة ؛ أعني عبادة الأوثان وعلى ما هم عليه .

والثاني : ( وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ) خوفا منهم لما ذكر أنه كان كثير العشيرة والقبيلة كانوا يخافون عشيرته ، فلم يؤذوه والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وما أنت علينا بعزيز ) أي ما أنت [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] أجلتنا وكبرائنا ، إنما أنت من أوسائطنا ، [ لست ][ ساقطة من الأصل وم ] علينا بعزيز ، لأن العزيز عندهم من كان عنده المال والدنيان لا يعرفون العز بغير ذلك ولم يكون عند شعيب الدنيا لذلك نسبوه إلى ما ذكروا[ في الأصل وم : ذكر ] أو أنت ذليل عندنا ، ليست بعزيز . فيكون صلة قوله : ( وإنا لنراك فينا ضعيفا ) والله أعلم .