فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيزٖ} (91)

وجملة : { قَالُواْ يا شُعَيْب مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا ممَّا تَقُولُ } مستأنفة كالجمل السابقة ، والمعنى : أنك تأتينا بما لا عهد لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية ، كالبعث والنشور ، ولا نفقه ذلك : أي نفهمه كما نفهم الأمور الحاضرة المشاهدة ، فيكون نفي الفقه على هذا حقيقة لا مجازاً . وقيل : قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه ، واحتقار الكلام مع كونه مفهوماً لديهم معلوماً عندهم ، فلا يكون نفي الفقه حقيقة بل مجازاً ، يقال : فقه يفقه : إذا فهم فِقْها وفَقها ، وحكى الكسائي فقهانا ، ويقال : فقه فقهاً : إذا صار فقيهاً { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } أي : لا قوّة لك تقدر بها على أن تمنع نفسك منا ، وتتمكن بها من مخالفتنا . وقيل : المراد أنه ضعيف في بدنه ، قاله عليّ بن عيسى . وقيل : إنه كان مصاباً ببصره . قال النحاس : وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى : ضعيف ، أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير ، أي قد ضرّ بذهاب بصره . وقيل : الضعيف : المهين ، وهو قريب من القول الأوّل { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك } رهط الرجل : عشيرته الذين يستند إليهم ، ويتقوّى بهم ، ومنه الراهط لجحر اليربوع ، لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده ، والرهط يقع على الثلاثة إلى العشرة ، وإنما جعلوا رهطه مانعاً من إنزال الضرر به مع كونهم في قلة ، والكفار ألوف مؤلفة ؛ لأنهم كانوا على دينهم ، فتركوه احتراماً لهم لا خوفاً منهم ، ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم : { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } حتى نكفّ عنك لأجل عزتك عندنا ، بل تركنا رجمك لعزة رهطك علينا ، ومعنى لرجمناك لقتلناك بالرجم ، وكانوا إذا قتلوا إنساناً رجموه بالحجارة وقيل : معنى لرجمناك لشتمناك ، ومنه قول الجعدي :

تراجمنا بمرّ القول حتى *** نصير كأننا فرسا رهان

ويطلق الرجم على اللعن ، ومنه الشيطان الرجيم .

/خ95