المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

26- ولقد مكنا عاداً فيما لم نمكنكم فيه من السعة والقوة يا أهل مكة ، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لو شاءوا الانتفاع بها ، فما نفعهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم شيئاً قليلاً ، لأنهم كانوا يكذبون بآيات الله ، فحال ذلك بينهم وبين انتفاعهم بما أوتوا ، وأحاط بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

قوله تعالى : { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال . قال المبرد : ما في قوله : " فيما " بمنزلة الذي ، " إن " بمنزلة " ما " وتقديره : ولقد مكناهم في الذي ما مكناهم فيه . { وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

هذا مع أن الله تعالى قد أدر عليهم النعم العظيمة فلم يشكروه ولا ذكروه ولهذا قال : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ } أي : مكناهم في الأرض يتناولون طيباتها ويتمتعون بشهواتها

وعمرناهم عمرا يتذكر فيه من تذكر ، ويتعظ فيه المهتدي ، أي : ولقد مكنا عادا كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون أي : فلا تحسبوا أن ما مكناكم فيه مختص بكم وأنه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئا ، بل غيركم أعظم منكم تمكينا فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جنودهم من الله شيئا .

{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً } أي : لا قصور في أسماعهم ولا أبصارهم ولا أذهانهم حتى يقال إنهم تركوا الحق جهلا منهم وعدم تمكن من العلم به ولا خلل في عقولهم ولكن التوفيق بيد الله . { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ } لا قليل ولا كثير ، وذلك بسبب أنهم { يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } الدالة على توحيده وإفراده بالعبادة .

{ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : نزل بهم العذاب الذي يكذبون بوقوعه ويستهزئون بالرسل الذين حذروهم منه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

{ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } { إن } نافية وهي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظا ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما ، أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير ، ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر ، أو صلة كما في قوله :

يرجي المرء ما إن لا يراه *** ويعرض دون أدناه الخطوب

والأول أظهر وأوفق لقوله : { هم أحسن أثاثا } { كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا } . { وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة } ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها . { فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } من الإغناء وهو القليل . { إذ كانوا يجحدون بآيات الله } صلة { فما أغنى } وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث . { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } من العذاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

ثم خاطب تعالى قريشاً على جهة الموعظة بقوله : { ولقد مكناهم في ما إن مكناهم فيه } ف { ما } ، بمعنى الذي ، و { إن } نافية وقعت مكان { ما } ليختلف اللفظ ، ولا تتصل { ما } ب { ما } ، لأن الكلام كأنه قال : في الذي ما مكناكم فيه . ومعنى الآية : ولقد أعطيناهم من القوة والغنى والبسط في الأموال والأجسام ما لم نعطكم ، ونالهم بسبب كفرهم هذا العذاب ، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم . وقالت فرقة : { إن } شرطية ، والجواب محذوف تقديره : في الذي إن مكناكم فيه طغيتم ، وهذا تنطع في التأويل{[10328]} .

ثم عدد تعالى عليهم نعم الحواس والإدراك ، وأخبر أنها لم تغن حين لم تستعمل على ما يجب . و » ما « : نافية في قوله : { فما أغنى عنهم } ويقوي ذلك دخول { من } في قوله : { من شيء } .

وقالت فرقة : » ما «في قوله : { فما أغنى عنهم } استفهام بمعنى التقرير ، و » { من شيء } على هذا تأكيد ، وهذا على غير مذهب سيبويه في دخول من في الواجب . { وحاق } معناه : وجب ولزم ، وهو مستعمل في المكاره ، والمعنى جزاء { ما كانوا به يستهزئون } .


[10328]:وقال القتبي:[إن] زائدة بعد"ما" الموصولة تشبيها بـ"ما" النافية، فهي في الآية الكريمة كما هي في قول الشاعر: يُرجّي المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخُطُوب فالمعنى: يرجّي المرء ما لا يراه، وكذلك المعنى في الآية الكريمة: ولقد مكناهم في مثل الذي مكناهم فيه، قال أبو حيان الأندلسي: وكون[إن] في الآية نافية هو الوجه؛ لأن القرآن الكريم يدل عليه في مواضع، كقوله تعالى:{كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا}، وقوله:{هم أحسن أثاثا ورِئيا}، وهو أبلغ في التوبيخ وأبلغ في الحث على الاعتبار.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

هذا استخلاص لموعظة المشركين بمَثَل عاد ، ليعلموا أن الذي قدَر على إهلاك عاد قادر على إهلاك مَن هم دونهم في القوة والعدد ، وليعلموا أن القوم كانوا مثلهم مستجمعين قوى العقل والحسّ وأنهم أهملوا الانتفاع بقواهم فجحدوا بآيات الله واستهزؤوا بها وبوعيده فحاق بهم ما كانوا يستهزئون به ، وقريش يعلمون أن حالهم مثل الحال المحكيّة عن أولئك فليتهيّأوا لما سيحلّ بهم . ولإفادة هذا الاستخلاص غُيّر أسلوب الكلام إلى خطاب المشركين من أهل مكة ، فالجملة في موضع الحال من واو الجماعة في { قالوا أجئتنا } [ الأحقاف : 22 ] والخبر مستعمل في التعجيب من عدم انتفاعهم بمواهب عقولهم . وتأكيد هذا الخبر بلام القسم مع أن مفاده لا شك فيه مصروف إلى المبالغة في التعجيب .

والتمكين : إعطاء المَكِنة ( بفتح الميم وكسر الكاف ) وهي القدرة والقوة . يقال : مكُن من كذا وتمكن منه ، إذا قدر عليه . ويقال : مكَّنه في كذا ، إذا جعل له القدرة على مدخول حرف الظرفية فيفسر بما يليق بذلك الظرف قال تعالى : { مكنّاهم في الأرض ما لم نمكن لهم } في سورة الأنعام ( 6 ) .

فالمعنى : جعلنا لهم القدرة في الذي لم نمكنكم فيه ، أي من كل ما يمكّن فيه الأقوام والأمم ، وتقدم عند قوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكَّنَّاهم في الأرض } في أول الأنعام ( 6 ) فضمّ إليه ما هنا .

و ( ما ) من قوله فيما } موصولة . و { إن } نافية ، أي في الذي ما مَكَّناكم فيه .

ومعنى مكناكم فيه : مكناكم في مثله أو في نوعه فإن الأجناس والأنواع من الذوات حقائق معنوية لا تتغير مواهبها وإنما تختلف بوجودها في الجزئيات ، فلذلك حسن تعدية فعل { مكناكم } بحرف الظرفية إلى ضمير اسم الموصول الصادق على الأمور التي مُكنت منها عاد . ومن بديع النظم أن جاء النفي هنا بحرف { إنْ } النافية مع أنَّ النفي بها أقل استعمالا من النفي ب ( ما ) النافية قصداً هنا لدفع الكراهة من توالي مثلين في النطق وهما ( ما ) الموصولة و ( ما ) النافية وإن كان معناهما مختلفاً ، ألا ترى أن العرب عوضوا الهاء عن الألف في ( مهما ) ، فإن أصلها : ( ما ما ) مركبة من ( ما ) الظرفية و ( ما ) الزائدة لإفادة الشرط مثل ( أينما ) . قال في « الكشاف » : ولقد أغَثَّ أبو الطيب في قوله :

لعمرك مَا مَا بَان منك لِضَاربٍ{[383]}

وأقول ولم يتعقب ابن جنّي ولا غيره ممّن شرح الديوان من قبل على المتنبي وقد وقع مثله في ضرورات شعر المتقدمين كقول خطام المجاشعي :

وَصَاليات كَكَمَا يُؤثفَيْنْ *** ولا يغتفر مثله للمولدين .

فأما إذا كانت ( ما ) نافية وأراد المتكلم تأكيدها تأكيداً لفظياً ، فالإتيان بحرف ( إنْ ) بعد ( ما ) أحرى كما في قول النابغة :

رماد ككحل العين ما إنْ أبينُه *** ونؤيٌ كجذم الحوض أثلم خاشع

وفائدة قوله : { وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة } أنهم لم ينقصهم شيء من شأنه أي يخلّ بإدراكهم الحق لولا العناد ، وهذا تعريض بمشركي قريش ، أي أنكم حرمتم أنفسكم الانتفاع بسمعكم وأبصاركم وعقولكم كما حُرموه ، والحالة متحدة والسبب متّحد فيوشك أن يكون الجزاء كذلك . وإفراد السمع دون الأبصار والأفئدة للوجه الذي تقدم في قوله : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } في سورة الأنعام ( 46 ) وقوله : { أم مَن يملك السمع والأبصار } في سورة يونس ( 31 ) .

ومِن } في قوله : { من شيء } زائدة للتنصيص على انتفاء الجنس فلذلك يكون { شيء } المجرور ب { من } الزائدة نائباً عن المفعول المطلق لأن المراد بشيء من الإغناء ، وحق { شيء } النصب وإنما جُرّ بدخول حرف الجر الزائد .

و { إذْ } ظرف ، أي مدة جحودهم وهو مستعمل في التعليل لاستواء مؤدى الظرف ومؤدى التعليل لأنه لما جعل الشيء من الإغناء معلقاً نفيُه بزمان جحدهم بآيات الله كما يستفاد من إضافة { إذْ } إلى الجملة بعدها ، عُلم أن لذلك الزمان تأثيراً في نفي الإغناء .

وآيات الله دلائل إرادته من معجزات رسولهم ومن البراهين الدالة على صدق ما دعاهم إليه . وقد انطبق مثالهم على حال المشركين فإنهم جحدوا بآيات الله وهي آيات القرآن لأنها جَمَعت حقيقة الآيات بالمعنيين .

وحاق بهم : أحاط بهم { وما كانوا به يستهزئون } العذاب ، عدل عن اسمه الصريح إلى الموصول للتنبيه على ضلالهم وسوء نظرهم .


[383]:- تمامه: باقتل مما بان منك لعائب ووقع المصراع الأول في الكشاف لعمرك، ورواية الديوان يرى: أما ما وجعل ابن جني والمعري في شرحيهما على الديوان اسم أن ضمير شأن محذوفا ليستقيم اقتران الباء بقوله باقتل الذي هو بحسب الظاهر خبر عن ( أن) ولعل التفادي من تلف جعل اسم ( أن) ضمير شأن هو الذي دعا الزمخشري لتغيير الكلمة الأولى من المصراع الأول.