ولما كان هذا-{[58999]} محلاً يتوقع فيه الإخبار عن حال{[59000]} مكنتهم ليعلم هل تركوا الدفع لمانع فيهم أو لأن ما أتاهم بحيث لا يمكن لأحد دفاعه ، قال ذاكراً حرف التوقع مخوفاً للعرب مقسماً لأن قريشاً قد قال قائلهم : إنهم يدفعون العذاب بدفع الزبانية ، ونحوها : { ولقد } أي فعل بهم ذلك والحال أنا وعزتنا قد { مكناهم } تمكيناً تظهر به عظمتنا { فيما إن } أي الذي ما { مكناكم فيه } من قوة الأبدان وكثرة الأموال وغيرها ، وجعل النافي " أن " لأنها أبلغ من " ما " لأن " ما " تنفي تمام الفوت لتركبها من الميم والألف التي حقيقة إدراكها فوت تمام الإدراك و " أن " تنفي{[59001]} أدنى مظاهر مدخولها فكيف بما وراءه من تمامه لأن الهمزة{[59002]} أول مظهر لفوت الألف والنون لمطلق الإظهار - هذا إلى ما في ذلك من عذوبة اللفظ وصونه عن ثقل التكرار إلى غير ذلك من بدائع{[59003]} الأسرار .
ولما كانت قريش تفتخر بعقولها{[59004]} فربما ظنت أنها في العقل ومقدماته من الحواس أمكن منهم ، وأنهم ما أتى عليهم إلا من عدم فهمهم ، قال تعالى : { وجعلنا } أي جعلاً يليق بما {[59005]}زدناهم عليكم{[59006]} من المكنة على ما اقتضته عظمتنا { لهم{[59007]} سمعاً } بدأ به لأن المقام للإنذار المنبه بحاسة السمع على ما في الآيات المرئيات من{[59008]} المواعظ ، فهو أنفع لأنه أوضح ، ووحده لقلة التفاوت فيه { وأبصاراً } أي منبهة{[59009]} على ما في الآيات المرئيات من مطابقة واقعها لأخبار السمع ، وجمع لكثرة التفاوت في أنوار الأبصار ، وكذا في قوله : { وأفئدة } أي قلوباً ليعرفوا بها الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه ويشكروا من وهبها لهم ، وختم بها لأنها الغاية التي ليس{[59010]} بعد الإدراك منتهى ولا وراءها{[59011]} مرمى ، وعبر بما هو من التفود{[59012]} وهو التجرد إشارة إلى أنها في غاية الذكاء { فما أغنى عنهم } {[59013]}في حال إرسالنا إليهم الرحمة على لسان نبينا{[59014]} هود عليه الصلاة والسلام ثم النقمة بيد الريح { سمعهم } وأكد النفي{[59015]} بتكرير النافي فقال : { ولا أبصارهم } وكذا في قوله : { ولا أفئدتهم } أي لما أردنا إهلاكهم ، وأكد بإثبات الجار فقال : { من شيء } أي-{[59016]} من الإغناء ، وإن قلّ لا-{[59017]} في دفع العذاب ، ولا في معرفة الصواب ، بل صرفوا ما وهبنا لهم من القوى فيما{[59018]} لا ينبعي تعليق الهمم به من أمور الدنيا حتى فاقوا في ذلك الأمم وعملوا أعمال من تخلد كما قيل :
والخلد قد حاولت *** عاد فما خلدوا
ولما ذكر نفي الإغناء ، ذكر ظرفه على وجه يفهم التعليل ، فإنه إذا ذكر الانتقام في وقت فعل الشيء علم أن علته فعل ذلك الشيء فقال : { إذ كانوا } أي{[59019]} {[59020]}طبعاً لهم وخلقاً{[59021]} { يجحدون } أي يكررون{[59022]} على مر الزمان الجحد { بآيات الله } أي الإنكار لما يعرف من دلائل الملك الأعظم { وحاق } أي أحاط على جهة الإحراق والعظم بأمور لا يدري وجه المخلص منها { بهم ما } أي عقاب الذي { كانوا } على جهة الدوام لكونه خلقاً لهم { به يستهزءون * } أي يوجدونه{[59023]} على سبيل الاستمرار إيجاد من هو طالب له عاشق فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.