فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

{ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } قال المبرد { ما } في قوله : فيما بمنزلة الذي ، وإن بمنزلة ما النافية وتقديره ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من كثرة المال وطول العمر وقوة الأبدان ، وقيل إن زائدة أي ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه ، وبه قال القتيبي ، والأول أولى ، لأنه أبلغ في التوبيخ لكفار قريش وأمثالهم ، قال ابن عباس يقول لم نمكنكم ، وعنه قال : عاد مكنوا في الأرض أفضل مما مكنت فيه هذه الأمة وكانوا أشد قوة وأكثر أموالا ، وأطول أعمارا .

{ وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة } أي أنهم أعرضوا عن قبول الحجة والتذكر مع ما أعطاهم الله من الحواس وآلات الفهم التي بها تدرك الأدلة ولهذا قال :

{ فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } أي فما نفعهم ما أعطاهم الله من ذلك ، حيث لم يتوصلوا به إلى التوحيد واعتقاد صحة الوعد والوعيد ، ووحد السمع لأنه لا يدرك به إلا الصوت وما يتبعه بخلاف البصر حيث يدرك به أشياء كثيرة بعضها بالذات وبعضها بالواسطة ، والفؤاد يعم إدراكه كل شيء قاله الكرخي ، وقد قدمنا من الكلام على إفراد السمع وجمع البصر ما يغني عن الإعادة و { من } في من شيء زائدة والتقدير فما أغنى عنهم شيئا من الأغناء ولا نفعهم بوجه من وجوه النفع .

{ إذ كانوا يجحدون بآيات الله } أي لأنهم كانوا جاحدين { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ، حيث قالوا فائتنا بما تعدنا { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } الخطاب لأهل مكة ، والمراد بالقرى قرى قوم ثمود ، وهي الحجر وسدوم قرى قوم لوط بالشام ونحوهما مما كان مجاورا لبلاد الحجاز وكانت أخبارهم متواترة عندهم { وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون } أي بينا الحجج ونوعناها لكي يرجعوا عن كفرهم فلم يرجعوا ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر فقال :

فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون 28 وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين 29{ إذ كانوا يجحدون بآيات الله } أي لأنهم كانوا جاحدين { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ، حيث قالوا فائتنا بما تعدنا