المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

106- يا أيها الذين آمنوا : حينما تظهر على أحد منكم علامة الموت ويريد أن يوصى بشيء ، فالشهادة بينكم على الوصية ، أن يشهد اثنان عادلان من أقاربكم ، أو آخران من غيركم إذا كنتم في سفر ، وظهرت أمارات الموت ، تحبسون هذين الشاهدين بعد أداء الصلاة التي يجتمع عليها الناس . فيحلفان بالله قائلين : لا نستبدل بيمينه عوضاً ، ولو كان فيه نفع لنا أو لأحد من أقاربنا ، ولا نخفي الشهادة التي أمرنا الله بأدائها صحيحة . إنا إذا أخفينا الشهادة أو قلنا غير الحق ، لنكونن من الظالمين المستحقين لعذاب الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } ، سبب نزول هذه الآية : ما روي أن تميم بن أوس الداري ، وعدي بن زيد ، قد خرجا من المدينة للتجارة إلى أرض الشام ، وهما نصرانيان ، ومعهما بديل -مولى عمرو بن العاص- وكان مسلما ، فلما قدموا الشام مرض بديل ، فكتب كتابا فيه جميع ما معه من المتاع ، وألقاه في جوالقه ، ولم يخبر صاحبيه بذلك ، فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي ، وأمرهما أي يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله ، ومات بديل ، ففتشا متاعه ، وأخذا منه إناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة ، فغيباه ، ثم قضيا حاجتهما ، فانصرفا إلى المدينة ، فدفعا المتاع إلى أهل البيت ، ففتشوا وأصابوا الصحيفة فيها تسمية ما كان معه ، فجاؤوا تميما وعديا فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا من متاعه ؟ قالا : لا ، قالوا : فهل اتجر تجارة ؟ قالا : لا ، قالوا : هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا ، فقالوا : إنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما كان معه ، وإنا قد فقدنا منها إناء من فضة مموها بالذهب ، فيه ثلاثمائة مثقال فضة ، قالا : ما ندري ، إنما أوصى لنا بشيء فأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه ، وما لنا علم بالإناء ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الإنكار ، وحلفا ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان } أي : ليشهد اثنان ، لفظه خبر ، ومعناه أمر ، قيل : إن معناه : أن الشهادة فيما بينكم على الوصية عند الموت اثنان ، واختلفوا في هذين الاثنين ، فقال قوم : هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي . وقال آخرون : هما الوصيان ، لأن الآية نزلت فيهما ، ولأنه قال : { تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان } ، ولا يلزم الشاهد يمين ، وجعل الوصي اثنين تأكيدا ، فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور ، كقولك : شهدت وصية فلان ، بمعنى حضرت ، قال الله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [ النور :2 ] ، يريد الحضور .

قوله تعالى : { ذوا عدل } أي : أمانة وعقل .

قوله تعالى : { منكم } ، أي : من أهل دينكم يا معشر المؤمنين .

قوله تعالى : { أو آخران من غيركم } ، أي : من غير دينكم وملتكم ، في قول أكثر المفسرين ، قاله ابن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعبيدة ، ثم أختلف هؤلاء في حكم الآية فقال النخعي وجماعة : هي منسوخة ، وكانت شهادة أهل الذمة مقبولة في الابتداء ، ثم نسخت . وذهب قوم إلى أنها ثابتة ، وقالوا : إذا لم نجد مسلمين فنشهد كافرين . قال شريح : من كان بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته فأشهد كافرين على أي دين كانا ، من دين أهل الكتاب أو عبدة الأوثان ، فشهادتهم جائزة ، ولا يجوز شهادة كافر على مسلم إلا على وصية في سفر . وعن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة بتركته ، وأتيا الأشعري فأخبراه بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأحلفهما ، وأمضى شهادتهما . وقال آخرون : قوله { ذوا عدل منكم } أي : من حي الموصي ، { أو آخران من غيركم } أي من غير حيكم ، وعشيرتكم ، وهو قول الحسن ، والزهري ، وعكرمة . وقالوا : لا تجوز شهادة كافرين في شيء من الأحكام .

قوله تعالى : { إن أنتم ضربتم } ، أي سرتم وسافرتم .

قوله تعالى : { في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } ، فأوصيتم إليهما . ودفعتم إليهما مالكم ، فاتهمهما بعض الورثة ، وادعوا عليهما خيانة ، فاحكم فيه أن { تحبسونهما } ، أي : تستوقفونهما .

قوله تعالى : { من بعد الصلاة } ، أي : بعد الصلاة ، و { من } صلة يريد : بعد صلاة العصر ، هذا قول الشعبي ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وعامة المفسرين ، لأن جميع أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ، ويجتنبون فيه الحلف الكاذب ، وقال الحسن : أراد من بعد صلاة الظهر . وقال السدي : من بعد صلاة أهل دينهما ، وملتهما ، لأنهما لا يباليان بصلاة العصر .

قوله تعالى : { فيقسمان } ، يحلفان .

قوله تعالى : { بالله إن ارتبتم } ، أي : شككتم ، ووقعت لكم الريبة في قول الشاهدين وصدقهما ، أي : في قول اللذين ليسا من أهل ملتكم ، فإن كانا مسلمين فلا يمين عليهما .

قوله تعالى : { لا نشتري به ثمنا } ، أي : لا نحلف بالله كاذبين على عوض نأخذه ، أو مال نذهب به ، أو حق نجحده .

قوله تعالى : { ولو كان ذا قربى } ، ولو كان المشهود له ذا قرابة منا .

قوله تعالى : { ولا نكتم شهادة الله } أضاف الشهادة إلى الله لأنه أمر بإقامتها ، ونهى عن كتمانها ، وقرأ يعقوب { شهادة } بتنوين { الله } ممدود ، وجعل الاستفهام عوضا عن حرف القسم ، ويروى عن أبي جعفر { شهادة } ، منونة { الله } بقطع الألف ، وكسر الهاء ، من غير استفهام على ابتداء اليمين ، أي : والله .

قوله تعالى : { إنا إذا لمن الآثمين } ، أي إن كتمناها كنا من الآثمين ، فلما نزلت هذه الآية صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ، ودعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما ، فحلفا على ذلك ، وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما . ثم ظهر الإناء واختلفوا في كيفية ظهوره ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه وجد بمكة ، فقالوا : إنا اشتريناه من تميم وعدي ، وقال آخرون : لما طالت المدة أظهروه ، فبلغ ذلك بني سهم فأتوهما في ذلك ، فقالا : إنا كنا قد اشتريناه منه ، فقالوا : ألم تزعما أن صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه ؟ قالا : لم يكن عندنا بيّنة فكرهنا أن نقر لكم به فكتمناه لذلك ، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله عز وجل { فإن عثر على أنهما استحق إثما . . . } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

{ 106 - 108 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

يخبر تعالى خبرا متضمنا للأمر بإشهاد اثنين على الوصية ، إذا حضر الإنسان مقدماتُ الموت وعلائمه . فينبغي له أن يكتب وصيته ، ويشهد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادتهما .

{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي : من غير أهل دينكم ، من اليهود أو النصارى أو غيرهم ، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين .

{ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } أي : سافرتم فيها { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } أي : فأشهدوهما ، ولم يأمر بشهادتهما إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول ، ويؤكد عليهما ، بأن يحبسا { مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } التي يعظمونها .

{ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ } أنهما صدقا ، وما غيرا ولا بدلا ، هذا { إِنِ ارْتَبْتُمْ } في شهادتهما ، فإن صدقتموهما ، فلا حاجة إلى القسم بذلك .

ويقولان : { لَا نَشْتَرِي بِهِ } أي : بأيماننا { ثَمَنًا } بأن نكذب فيها ، لأجل عرض من الدنيا . { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } فلا نراعيه لأجل قربه منا { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } بل نؤديها على ما سمعناها { إِنَّا إِذًا } أي : إن كتمناها { لَمِنَ الْآثِمِينَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز ، قيل : إنه منسوخ رواه العَوْفي من ابن عباس . وقال{[10507]} حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم : إنها منسوخة . وقال آخرون - وهم الأكثرون ، فيما قاله ابن جرير - : بل هو محكم ؛ ومن ادعى النسخ فعليه البيان .

فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ } هذا هو الخبر ؛ لقوله : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } فقيل تقديره : " شهادة اثنين " ، حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مَقَامه . وقيل : دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان .

وقوله : { ذَوَا عَدْلٍ } وصف الاثنين ، بأن يكونا عدلين .

وقوله : { مِنْكُمْ } أي : من المسلمين . قاله الجمهور . قال{[10508]} علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال : من المسلمين . رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : رُوي عن عُبيدة ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، ومجاهد ، ويحيى بن يَعْمُر ، والسُّدِّي ، وقتادة ، ومُقاتل بن حَيَّان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، نحو ذلك .

قال ابن جرير : وقال آخرون : عني : ذلك { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } أي : من حَي{[10509]} الموصي . وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدّة غيرهما .

وقوله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن عَوْن ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا حبيب بن أبي عَمْرَة ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس في قوله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال : من غير المسلمين ، يعني : أهل الكتاب .

ثم قال : وروي عن عبيدة ، وشُرَيْح ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، ويحيى بن يعمر ، وعكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وإبراهيم النَّخَعِي ، وقتادة ، وأبي مِجْلزَ ، والسُّديِّ ، ومقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، نحو ذلك .

وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله : { مِنْكُمْ } أي : المراد من قبيلة الموصي ، يكون المراد هاهنا : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي : من غير قبيلة الموصي . وقد روى عن ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري ، والزهري ، رحمهما الله .

وقوله : { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ } أي : سافرتم ، { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين ، أن يكون ذلك في سفر ، وأن يكون في وصية ، كما صرح بذلك شريح القاضي .

قال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو معاوية ووَكِيع قالا حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن شريح قال : لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني{[10510]} إلا في سفر ، ولا تجوز في سفر إلا في وصية .

ثم رواه عن أبي كُرَيْب ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق السَّبِيعي قال : قال شريح ، فذكر مثله .

وقد روي مثله عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله تعالى . وهذه المسألة من إفراده ، وخالفه الثلاثة فقالوا : لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين . وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضًا .

وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري قال : مضت السنّة أنه لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر ، إنما هي في المسلمين . {[10511]}

وقال ابن زيد : نزلت هذه الآية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام ، وذلك في أول الإسلام ، والأرض حرب ، والناس كفار ، وكان الناس يتوارثون بالوصية ، ثم نُسخت الوصية وفرضت الفرائض ، وعمل الناس بها .

رواه ابن جرير ، وفي هذا نظر ، والله أعلم .

وقال ابن جرير : اختلف في قوله : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } هل المراد به أن يوصي إليهما ، أو يشهدهما ؟ على قولين :

أحدهما : أن يوصي إليهما ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قال : سئل ابن مسعود ، رضي الله عنه ، عن هذه الآية قال{[10512]} هذا رجل سافر ومعه مال ، فأدركه قدره ، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته ، وأشهد عليهما عدلين من المسلمين .

رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع .

والقول الثاني : أنهما يكونان شاهدين . وهو ظاهر سياق الآية الكريمة ، فإن لم يكن وصي ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان : الوصاية والشهادة ، كما في قصة تَمِيم الداري ، وعَدِيّ بن بَدَّاء ، كما سيأتي ذكرها آنفًا ، إن شاء الله ، وبه التوفيق .

وقد استشكل ابنُ جرير كونهما شاهدين ، قال : لأنا لا نعلم حُكْمًا يَحْلِفُ فيه الشاهد . وهذا لا يمنع الحكم الذي تضمنته هذه الآية الكريمة ، وهو حكم مستقل بنفسه ، لا يلزم أن يكون جاريًا على قياس جميع الأحكام ، على أن هذا حكم خاص بشهادة خاصة في محل خاص ، وقد اغتفر فيه من الأمور ما لم يغتفر في غيره ، فإذا قامت قرائن الريبة حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليه هذه الآية الكريمة .

وقوله تعالى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ } قال [ العوفي ، عن ]{[10513]} ابن عباس : يعني صلاة العصر . وكذا قال سعيد بن جبير ، وإبراهيم النَّخَعِي ، وقتادة ، وعِكْرِمة ، ومحمد بن سيرين . وقال الزهري : يعني صلاة المسلمين ، وقال السدي ، عن ابن عباس : يعني صلاة أهل دينهما .

والمقصود : أن يقام هذان الشاهدان{[10514]} بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم ، { فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ } أي : فيحلفان{[10515]} بالله { إِنِ ارْتَبْتُمْ } أي : إن ظهرت لكم منهما ريبة ، أنهما قد خانا أو غلا فيحلفان حينئذ بالله { لا نَشْتَرِي بِهِ } أي : بأيماننا . قاله مُقاتِل بن حيان { ثَمَنًا } أي : لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة ، { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } أي : ولو كان المشهود عليه قريبًا إلينا لا نحابيه ، { وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } أضافها إلى الله تشريفًا لها ، وتعظيمًا لأمرها .

وقرأ بعضهم : " ولا نكتم شهادة آلله " مجرورًا على القسم . رواها ابن جرير ، عن عامر الشعبي .

وحكي عن بعضهم أنه قرأ : " ولا نَكْتُمُ شهادةً الله " ، والقراءة الأولى هي المشهورة .

{ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ } أي : إن فعلنا شيئًا من ذلك ، من تحريف الشهادة ، أو تبديلها ، أو تغييرها{[10516]} أو كتمها بالكلية .

/خ107


[10507]:في د: "وقاله".
[10508]:في د: "قاله".
[10509]:في د: "من أهل".
[10510]:في د: "اليهود والنصارى".
[10511]:تفسير الطبري (11/166).
[10512]:في د: "قال ابن مسعود في هذه الآية".
[10513]:زيادة من د.
[10514]:في د: "أن قيامها".
[10515]:في د: "يحلفان".
[10516]:في د: "وتغييرها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } أي فيما أمرتم شهادة بينكم ، والمراد بالشهادة الإشهاد في الوصية وإضافتها إلى الظرف على الاتساع وقرئ { شهادة } بالنصب والتنوين على ليقم . { إذا حضر أحدكم الموت } إذا شارفه وظهرت أماراته وهو ظرف للشهادة . { حين الوصية } بدل منه وفي إبداله تنبيه على أن الوصية مما ينبغي أن لا يتهاون فيه أو ظرف حضر . { اثنان } فاعل شهادة ويجوز أن يكون خبرها على حذف المضاف . { ذوا عدل منكم } أي من أقاربكم أو من المسلمين وهما صفتان لاثنان . { أو آخران من غيركم } عطف على اثنان ، ومن فسر الغير بأهل الذمة جعله منسوخا فإن شهادته على المسلم لا تسمع إجماعا . { إن أنتم ضربتم في الأرض } أي سافرتم فيها . { فأصابتكم مصيبة الموت } أي قاربتم الأجل . { تحبسونهما } تقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران والشرط بجوابه المحذوف المدلول عليه بقوله أو آخران من غيركم اعتراض ، فائدته الدلالة على أنه ينبغي أن يشهد اثنان منكم فإن تعذر كما في السفر فمن غيركم ، أو استئناف كأنه قيل كيف نعمل إن ارتبنا بالشاهدين فقال تحبسونهما . { من بعد الصلاة } صلاة العصر ، لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار . وقيل أي صلاة كانت . { فيقسمان بالله إن ارتبتم } إن ارتاب الوارث منكم . { لا نشتري به ثمنا } مقسم عليه ، وإن ارتبتم اعتراض يفيد اختصاص القسم بحال الارتياب . والمعنى لا نستبدل بالقسم أو بالله عرضا من الدنيا أي لا نحلف بالله كاذبا لطمع . { ولو كان ذا قربى } ولو كان المقسم له قريبا منا ، وجوابه أيضا محذوف أي لا نشتري . { ولا نكتم شهادة الله } أي الشهادة التي أمرنا الله بإقامتها ، وعن الشعبي أنه وقف على شهادة ثم ابتدأ الله بالمد على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه ، وروي عنه بغيره كقولهم الله لأفعلن . { إنا إذا لمن الآثمين } أي إن كتمنا . وقرئ لملاثمين بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام النون فيها .