النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

قوله تعالى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ . . . }{[832]} في قوله : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنها الشهادة بالحقوق عند الحكام .

والثاني : أنها شهادة الحضور للوصية .

والثالث : أنها أيمان ، ومعنى ذلك أيمان بينكم ، فعبر عن اليمين بالشهادة كما قال في أيمان المتلاعنين : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتِ بِاللَّهِ } .

وفي قوله تعالى : { . . . اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ منكُمْ } تأويلان :

أحدهما : يعني من المسلمين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والثاني : من حي المُوصِي ، قاله الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة وفيهما قولان : أحدهما : أنهما شاهدان يشهدان على وصية المُوصِي .

والثاني : أنهما وصيان .

{ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } فيه تأويلان :

أحدهما : من غير دينكم من أهل الكتاب ، قاله ابن عباس ، وأبو موسى ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وشريح .

والثاني : من غير قبيلتكم وعشيرتكم ، قاله الحسن ، وعكرمة ، والزهري ، وعبيدة .

وفي { أَوْ } في هذا الموضع قولان :

أحدهما : أنها للتخيير في قبول اثنين منا أو آخرين من غيرنا .

والثاني : أنها لغير التخيير ، وإن معنى الكلام ، أو آخران من غيركم إن لم تجدوا ، منكم ، قاله ابن عباس وشريح ، وسعيد بن جبير والسدي .

{ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } يعني سافرتم .

{ فَأَصَابَتْكُم مصِيبَةُ المَوْتِ } وفي الكلام محذوف تقديره : فأصابتكم مصيبة الموت{[833]} ، وقد أسندتم الوصية إليهما .

ثم قال تعالى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ } يعني تستوقفونهما للأيمان وهذا خطاب للورثة ، وفي هذه الصلاة ثلاثة أقوال :

أحدها : بعد صلاة العصر ، قاله شريح ، والشعبي ، وسعيد بن جبير وقتادة .

والثاني : من بعد صلاة الظهر ، والعصر ، قاله الحسن .

والثالث : من بعد صلاة أهل دينهما ومِلَّتِهِمَا من أهل الذمة ، قاله ابن عباس ، والسدي .

{ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ تَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً } معناه فيحلفان بالله إن ارتبتم بهما ، وفيهما قولان : أحدهما : أنهما الوصيان إن ارتبتم بهما في الخيانة أَحْلَفَهُمَا الورثة .

والثاني : أنهما الشاهدان إن ارتبتم بهما ، ولم تُعْرَفْ عدالتهما ، ولا جرحهما ، أحلفهما الحاكم ليزول عنه الارتياب بهما ، وهذا إنما جوزه قائل هذا القول في السفر دون الحضر .

وفي قوله تعالى : { لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً } تأويلان :

أحدهما : لا نأخذ عليه رشوة ، قاله ابن زيد .

والثاني : لا نعتاض عليه بحق .

{ وَلَو كَانَ ذَا قُرْبَى } أي لا نميل مع ذي القربى في قول الزور ، والشهادة بغير حق .

{ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } يعني عندنا فيما أوجبه علينا .


[832]:- قال مكي بن أبي طالب القيسي أن هذه الآية والآيتين بعدها من أشكل ما في القرآن إعرابا ومعنى وحكما. وذكر ذلك قبله أبو جعفر النحاس.
[833]:- سقط من ك.