تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } ، نزلت في بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي ، كان خرج مسافرا في البحر إلى أرض النجاشي ومعه رجلان نصرانيان ، أحدهما يسمى تميم بن أوس الداري ، وكان من لخم ، وعدى بن بندا ، فمات بديل وهم في البحر فرمى به في البحر ، قال : { حين الوصية } ، وذلك أنه كتب وصيته ، ثم جعلها في متاعه ، ثم دفعه إلى تميم وصاحبه ، وقال لهما : أبلغا هذا المتاع إلى أهلي ، فجاءا ببعض المتاع وحبسا جاما من فضة مموها بالذهب ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } ، يقول : عند الوصية يشهدون وصيته .

{ اثنان ذوا عدل منكم } من المسلمين في دينهما ، { أو آخران من غيركم } ، يعني من غير أهل دينكم النصرانيين ، تميم الداري وعدى بن بندا ، { إن أنتم ضربتم في الأرض } يا معشر المسلمين للتجارة ، { فأصابتكم مصيبة الموت } ، يعني بديل بن أبي مارية حين انطلق تاجرا في البحر ، وانطلق معه تميم وعدى صاحباه ، فحضره الموت ، فكتب وصيته ، ثم جعلها في المتاع ، فقال : أبلغا هذا المتاع إلى أهلي ، فلما مات بديل ، قبضا المتاع ، فأخذا منه ما أعجبهما ، وكان فيما أخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوش مموه بالذهب ، فلما رجعا من تجارتهما دفعا بقية المال إلى ورثته ، ففقدوا بعض متاعه ، فنظروا إلى الوصية ، فوجدوا المال فيه تاما لم يبع منه ، ولم يهب ، فكلموا وتميما وصاحبه ، فسألوهما : هل باع صاحبنا شيئا أو اشترى شيئا فخسر فيه ، أو طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ فقال : لا ، قالوا : فإنا قد فقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا ، فقالا : ما لنا بما أبدى ، ولا بما كان في وصيته علم ، ولكنه دفع إلينا هذا المال ، فبلغناكم إياه .

فرفعوا أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } ، يعني بديلب بن أبي مارية ، { اثنان ذوا عدل منكم } ، يعني من المسلمين عبد الله بن عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، { أو آخران من غيركم } من غير أهل دينكم ، يعني النصرانيين ، { إن أنتم } معشر المسلمين { ضربتم في الأرض } تجارا { فأصابتكم مصيبة الموت } ، يعني بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي ، { تحسبونهما } ، يعني النصرانيين تقيمونهما ، { من بعد الصلاة } صلاة العصر ، { فيقسمان بالله } ، فيحلفان بالله ، { إن ارتبتم } ، يعني إن شككتم ، نظيرها في النساء القصرى ، أن المال كان أكثر من هذا الذي أتيناكم به ، { لا نشتري به ثمنا } ، يقول : لا نشتري بأيماننا عرضا من الدنيا ، { ولو كان ذا قربى } ، يقول : ولو كان الميت ذا قرابة منا ، { ولا نكتم شهادة الله إنا إذا } إن كتمنا شيئا من المال ، { لمن الآثمين } بالله عز وجل .

فحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم عند المنبر بعد صلاة العصر ، فحلفا أنهما لم يخونا شيئا من المال ، فخلى سبيلهما ، فلما كان بعد ذلك ، وجدوا الإناء الذي فقدوه عند تميم الداري ، قالوا : هذا من آنية صاحبنا الذي كان أبدى بها ، وقد زعمتما أنه لم يبع ولم يشتر ولم ينفق على نفسه ، فقالا : قد كنا اشتريناه منه ، فنسينا أن نخبركم به ، فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم الثانية ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا وجدنا مع هذين إناء من فضة من متاع صاحبنا ، فأنزل الله عز وجل : { فإن عثر على أنهما استحقا إثما }