السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } أي : فيما أمرتم شهادة بينكم فشهادة مبتدأ خبره محذوف ، قيل : هذه الآية وما بعدها من أشكل آي القرآن حكماً وإعراباً وتفسيراً والمراد بالشهادة الإشهاد بالوصية .

وقيل : المراد بها اليمين بمعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان ، قال القرطبي :

ورد لفظ الشهادة في القرآن على أنواع مختلفة بمعنى الحضور قال تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ( البقرة ، 185 ) وبمعنى قضى قال تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } ( آل عمران ، 18 ) وبمعنى أقرّ قال تعالى : { والملائكة يشهدون } ( النساء ، 166 ) وبمعنى حكم قال تعالى : { وشهد شاهد من أهلها } ( يوسف ، 26 ) وبمعنى حلف قال تعالى : { فشهادة أحدهم أربع شهادات } ( النور ، 6 ) وبمعنى وصى قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } أي : أسبابه { حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } وهذا خبر بمعنى الأمر أي : ليشهد وإضافة شهادة ل«بين » على الاتساع و( حين ) بدل من إذا أو ظرف لحضر واثنان فاعل شهادة أو خبر مبتدأ محذوف أي : الشاهد اثنان ومن فسر الغير بأهل الذمّة جعله منسوخاً فإنّ شهادته على المسلم لا تسمع إجماعاً ، وقد اتفق الأكثرون على أنه لا نسخ في سورة المائدة ، وعن مكحول نسخها قوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ( الطلاق ، 2 ) وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر .

{ إن أنتم ضربتم } أي : سافرتم { في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } أي : قاربتم الأجل وقوله تعالى : { تحبسونهما } أي : توقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران { من بعد الصلاة } أي : صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار . وقيل : أيّ صلاة كانت { فيقسمان } أي : يحلفان { بالله } وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ اليمين إنما تكون إذا كانا من غيرنا فإن كانا مسلمين فلا يمين ، وعن غيره : إن كان الشاهدان على حقيقتهما فقد نسخ تحليفهما ، وإن كانا الوصيين فلا إثم شرط لهذا الحلف شرطاً فقال اعتراضاً بين القسم والمقسم عليه { إن ارتبتم } أي : شككتم فيما أخبرا به عن الواقعة ثم ذكر المقسم عليه بقوله : { لا نشتري به ثمناً } أي : بهذا الذي ذكرناه ثمناً أي : لم نذكره ليحصل لنا به غرض دنيوي وإن كان في نهاية الجلالة وليس قصدنا به إلا إقامة الحق { ولو كان } أي : القسم له { ذا قربى } أي : لنا { ولا نكتم شهادة الله } أي : التي أمرنا بإقامتها { إنا إذا } أي : إذا كتمناها { لمن الآثمين } .