مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

روي أنه خرج بديل مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدي وتميم وكانا نصرانيين إلى الشام ، فمرض بديل وكتب كتاباً فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه ، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله . ومات ففتشا متاعه ، فأخذا إناء من فضة فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل :{ يِأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ شهادة بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت حِينَ الوصية اثنان } ارتفع «اثنان » لأنه خبر المبتدأ وهو «شهادة » بتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين ، أو لأنه فاعل «شهادة بينكم » أي فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان . واتسع في «بين » فأضيف إليه المصدر . «وإذا حضر » ظرف للشهادة و«حين الوصية » بدل منه ، وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية لأن حضور الموت من الأمور الكائنة ، «وحين الوصية » بدل منه فيدل على وجوب الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الابتلاء فنقل إلى الوجوب ، وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل { ذَوَا عَدْلٍ } صفة ل «اثنان » { مِّنكُمْ } من أقاربكم لأنهم أعلم بأحوال الميت { أو آخران } عطف على «اثنان » { مِنْ غَيْرِكُمْ } من الأجانب { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرض } سافرتم فيها . «وأنتم » فاعل فعل يفسره الظاهر { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الموت } أو منكم من المسلمين ومن غيركم من أهل الذمة . وقيل : منسوخ إذ لا يجوز شهادة الذمي على المسلم ، وإنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين { تَحْبِسُونَهُمَا } تقفونهما للحلف هو استئناف كلام أو صفة لقوله «أو آخران من غيركم » أي أو آخران من غيركم محبوسان ، «وإن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت » اعتراض بين الصفة والموصوف { مِن بَعْدِ الصلاة } من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس .

وعن الحسن رحمه الله : بعد العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما . وفي حديث بديل أنها لما نزلت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعديِّ وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الإناء بمكة فقالوا : إنا اشتريناه من تميم وعدي . { فَيُقْسِمَانِ بالله } فيحلفان به { إِنِ ارتبتم } شككتم في أمانتهما وهو اعتراض بين «يقسمان » وجوابه وهو { لاَ نَشْتَرِي } وجواب الشرط محذوف أغنى عنه معنى الكلام والتقدير : إن ارتبتم في شأنهما فحلفوهما { بِهِ } بالله أو بالقسم { ثَمَناً } عوضاً من الدنيا { وَلَوْ كَانَ } أي المقسم له { ذَا قربى } أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريباً منا { وَلاَ نَكْتُمُ شهادة الله } أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها { إنّآ إذاً } إن كتمنا { لَّمِنَ الآثمين } . وقيل : إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين ، وإن أريد الوصيان فلم ينسخ تحليفهما .