أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو النعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي ، عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } قال « برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ، فأتيا الشام لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له : بديل بن أبي مريم بتجارة ، ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته ، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله . قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء ، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الجام فسألونا عنه ، فقلنا : ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره . قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، وأديت إليهم خمسمائة درهم ، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألهم البينة فلم يجدوا ، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه ، فحلف الله { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } إلى قوله { أن ترد أيمان بعد أيمانهم } فقام عمرو بن العاص ورجل آخر ، فحلفا ، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء » .
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء ، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما ، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بالذهب ، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله : ما كتمتماها ولا اطلعتما ، ثم وجدوا الجام بمكة ، فقيل : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي ، فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وإن الجام لصاحبهم ، وأخذ الجام وفيه نزلت { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال « كان تميم الداري وعدي بن بداء رجلين نصرانيين يتجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حوّل متجرهما إلى المدينة ، فخرج بديل بن أبي مارية مولى عمرو بن العاص تاجراً حتى قدم المدينة ، فخرجوا جميعاً تجاراً إلى الشام ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق اشتكى بديل ، فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه وأوصى إليهما ، فلما مات ، فتحا متاعه ، فأخذا منه شيئاً ثم حجزاه كما كان ، وقدما المدينة على أهله فدفعا متاعه ، ففتح أهله متاعه فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئاً فسألوهما عنه ، فقالوا : هذا الذي قبضنا له وَدُفِعَ إلينا ، فقالوا لهما : هذا كتابه بيده ! قالوا : ما كتمنا له شيئاً ، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } إلى قوله { إنا إذاً لمن الآثمين } فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا ، فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب ، فقال أهله : هذا من متاعه ولكنا اشتريناه منه ، ونسينا أن نذكره حين حلفنا ، فكرهنا أن نكذب نفوسنا ، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية الأخرى { فإن عثر على أنهما استحقا إثماً } فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه ، ثم إن تميماً الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : صدق الله ورسوله ، أنا أخذت الإناء ، ثم قال : يا رسول الله ، إن الله يظهرك على أهل الأرض كلها ، فهب لي قريتين من بيت لحم - وهي القرية التي ولد فيها عيسى - فكتب له بها كتاباً ، فلما قدم عمر الشام أتاه تميم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : أنا حاضر ذلك فدفعها إليه » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { شهادة بينكم } مضاف برفع شهادة بغير نون وبخفض بينكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي عن أبي طلحة عن ابن عباس { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } هذا لمن مات وعنده المسلمون ، أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ، ثم قال { أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض } فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، أمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين ، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة : ما اشترينا بشهادتنا ثمناً قليلاً ، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما ، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة ، فذلك قوله تعالى { فإن عثر على أنهما استحقا إثماً } يقول : إن اطلع على أن الكافرين كذبا ، قام الأوليان فحلفا أنهما كذبا ، ذلك أدنى أن يأتي الكافران بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، فتترك شهادة الكافرين ، ويحكم بشهادة الأوليان ، فليس على شهود المسلمين أقسام ، إنما الأقسام إذا كانا كافرين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { اثنان ذوا عدل منكم } قال : من أهل الإسلام { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل الإسلام ، وفي قوله { فيقسمان بالله } يقول : يحلفان بالله بعد الصلاة . وفي قوله { فآخران يقومان مقامهما } قال : من أولياء الميت فيحلفان { بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما } يقول : فيحلفان بالله ما كان صاحبنا ليوصي بهذا وإنهما لكاذبان . وفي قوله { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } يعني أولياء الميت فيستحقون ماله بأيمانهم ، ثم يوضع ميراثه كما أمر الله ، وتبطل شهادة الكافرين . وهي منسوخة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية { اثنان ذوا عدل منكم } قال : ما من الكتاب إلا قد جاء على شيء جاء على إدلاله غير هذه الآية ، ولئن أنا لم أخبركم بها لأنا أجهل من الذي ترك الغسل يوم الجمعة ، هذا رجل خرج مسافراً ومعه مال ، فأدركه قدره ، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته ، وأشهد عليهما عدلين من المسلمين ، فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب ، فإن أدى فسبيل ما أدى ، وإن هو جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة : أن هذا الذي وقع إلي وما غيبت شيئاً ، فإذا حلف برئ ، فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه ، ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه ، فذلك الذي يقول الله { ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } قال : أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران ، لا يحضره غير اثنين منهم ، فإن رضي ورثته بما غابا عنه من تركته فذلك ، ويحلف الشاهدان أنهما صادقان ، فإن عثر قال : وجد لطخ أو لبس أو تشبيه حلف الاثنان الأوّلان من الورثة ، فاستحقا وأبطلا أيمان الشاهدين .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله { أو آخران من غيركم } قال : من غير المسلمين من أهل الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله { اثنان ذوا عدل منكم } قال : من أهل دينكم { أو آخران من غيركم } قال : من أهل الكتاب إذا كان ببلاد لا يجد غيرهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن شريح قال : لا تجوز شهادة اليهودي ولا النصراني إلا في وصية ، ولا تجوز في وصية إلا في سفر .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن الشعبي . أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء ، ولم يجد أحداً من المسلمين يشهد على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعري ، فأخبراه وقدما بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدَّلا ولا كتما ولا غيرا ، وإنها وصية الرجل وتركته ، فأمضى شهادتهما .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله { شهادة بينكم } الآية . كلها قال : كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام ، وذلك في أول الإسلام ، والأرض حرب ، والناس كفار ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة ، وكان الناس يتوارثون بينهم بالوصية ، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها .
وأخرج ابن جرير عن الزبير قال : مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر ، إنما هي في المسلمين .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هذه الآية منسوخة .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عكرمة { أو آخران من غيركم } قال : من المسلمين من غير حيه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ والبيهقي في سننه { إثنان ذوا عدل منكم } قال : من قبيلتكم { أو آخران من غيركم } قال : من غير قبيلتكم ، ألا ترى أنه يقول { تحبسونهما من بعد الصلاة } كلهم من المسلمين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عقيل قال : سألت ابن شهاب عن هذه الآية قلت : أرأيت الاثنين اللَّذين ذكر الله من غير أهل المرء الموصي ، أهما من المسلمين أو هما من أهل الكتاب ؟ ورأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما ، أتراهما من أهل المرء الموصي أم هما في غير المسلمين ؟ قال ابن شهاب : لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أئمة العامة سنة أذكرها ، وقد كنا نتذاكرها أناساً من علمائنا أحياناً فلا يذكرون فيها سنة معلومة ولا قضاء من إمام عادل ، ولكنه مختلف فيها رأيهم ، وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون : هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين ، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم ، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى ، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضروا من وصية ، فإن سلموا جازت وصيته ، وإن ارتابوا أن يكونوا بدلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء ، حلف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة ، وهي أن المسلمين { يقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين } فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثماً في شيء من ذلك ، قام آخران مقامهما من أهل الميراث من الخصم الذين ينكرون ما يشهد عليه الأولان المستحلفان أول مرة ، فيقسمان بالله لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به ، وما اعتدينا إنا إذاً لمن الظالمين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله { تحبسونهما من بعد الصلاة } قال : صلاة العصر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { لا نشتري به ثمناً } قال : لا نأخذ به رشوة { ولا نكتم شهادة الله } وإن كان صاحبها بعيداً .
وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أنه كان يقرأ { ولا نكتم شهادة } يعني بقطع الكلام منوّناً { الله } بقطع الألف وخفض اسم الله على القسم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرؤها { ولا نكتم شهادة الله } يقول هو القسم .
وأخرج عن عاصم { ولا نكتم شهادة الله } مضاف بنصب شهادة ، ولا ينون .