المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

234- والذين يُتَوفَّوْن منكم من الرجال ويتركون زوجات لهم غير حوامل فعليهن أن يمكثن بعدهم دون تعرض للزواج مدة أربعة أشهر هلالية وعشر ليال بأيامها استبراء للرحم . فإذا انتهت هذه المدة فلا تبعة عليكم أيها الأولياء لو تركتموهن يأتين من شريف الأعمال التي يرضاها الشرع ليصلن بها إلى الزواج . فلا ينبغي أن تمنعوهن من ذلك ولا يجوز لهن أن يأتين من الأعمال ما ينكره الشرع ويأباه ، فإن الله مطلع على سرائركم ويعلم أعمالكم فيحاسبكم على ما تعملون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم } . أي يموتون وتتوفى آجالهم ، وتوفى واستوفى بمعنى واحد ، ومعنى التوفي أخذ الشيء وافياً .

قوله تعالى : { ويذرون أزواجاً } . يتركون أزواجاً .

قوله تعالى : { يتربصن } . ينتظرن .

قوله تعالى : { بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } . أي يعتددن بترك الزينة والطيب والنقلة ، على فراق أزواجهن هذه المدة ، إلا أن يكن حوامل فعدتهن بوضع الحمل ، وكانت عدة الوفاة في الابتداء حولاً كاملاً لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرا . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : كانت هذه العدة يعني أربعة أشهر وعشراً ، واجبة عند أهل زوجها ، فأنزل الله تعالى : { متاعاً إلى الحول } فجعل لها تمام السنة ، سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية ، إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت وإن شاءت خرجت وهو قول الله عز وجل : { غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن } فالعدة كما هي واجبة عليها . وقال عطاء : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت ، قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها ويجب عليها الإحداد في عدة الوفاة ، وهي أن تمتنع من الزينة والطيب فلا يجوز لها تدهين رأسها بأي دهن ، سواء كان فيه طيب أو لم يكن ، ولها تدهين جسدها بدهن لا طيب فيه ، فإن كان فيه طيب فلا يجوز ، ولا يجوز لها أن تكتحل بكحل فيه طيب أو فيه زينة كالكحل الأسود ولا بأس بالكحل الفارسي الذي لا زينة فيه ، فإن اضطرت إلى كحل فيه زينة فرخص فيه كثير من أهل العلم ، منهم سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وعطاء والنخعي ، وبه قال مالك وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي رحمه الله : تكتحل به ليلا ، وتمسحه بالنهار . قالت أم سلمة : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت علي صبراً فقال : إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار " . ولا يجوز لها الخضاب ولا لبس الوشي والديباج والحلي ، ويجوز لها لبس البيض من الثياب ولبس الصوف والوبر ، ولا تلبس الثوب المصبوغ للزينة ، كالأحمر والأخضر الناضر والأصفر ، ويجوز ما صبغ لغير زينة كالسواد والكحلي وقال سفيان : لا تلبس المصبوغ بحال .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب ، عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب : " دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان بن حرب ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة ، خلوق أو غيره ، فدهنت به جارية ، ثم مست بطنها ، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " . وقالت زينب : " ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها عبد الله ، فدعت بطيب ، فمست به ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " قالت زينب : وسمعت أمي أم سلمة تقول : " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، ثم قال : هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول " قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ، ولا شيئا ، حتى يمر بها سنة ، ثم تؤتي بدابة ، حمارا أو شاة أو طيرا ، فتفض به ، فقلما تفتض بشيء إلا مات ، ثم تخرج ، فتعطي بعرة فترمي بها ، ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره .

وقال مالك : تفتض أي تنسلخ جلدها . وقال سعيد بن المسيب : الحكمة في هذه المدة أن فيها ينفخ الروح في الولد ، ويقال إن الولد يرتكض أي يتحرك في البطن لنصف مدة الحمل ، أربعة أشهر وعشراً ، قريباً من نصف مدة الحمل ، وإنما قال عشراً بلفظ المؤنث ، لأنه أراد الليالي ، لأن العرب إذا أبهمت العدد بين الليالي والأيام غلبت عليها الليالي ، فيقولون : صمنا عشراً ، والصوم لا يكون إلا بالنهار . وقال المبرد : إنما أنث العشر لأنه أراد المدة ، أي عشر مدد ، كل مدة يوم وليلة ، وإذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملاً فعدتها بوضع الحمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم .

وروى عن علي وابن عباس رضي الله عنهم أنها تنتظر آخر الأجلين ، من وضع الحمل أو أربعة أشهر وعشراً ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ، أراد بالقصرى سورة الطلاق ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) نزلت بعد قوله تعالى : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) ، في سورة البقرة فحمله على النسخ ، وعامة الفقهاء خصوا الآية بحديث سبيعة وهو : ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت .

قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } . أي انقضت عدتهن .

قوله تعالى : { فلا جناح عليكم } . خطاب للأولياء .

قوله تعالى : { فيما فعلن في أنفسهن } . أي من اختيار الأزواج دون العقد فإن العقد إلى الولي ، وقيل فيما فعلن من التزين للرجال زينة لا ينكرها الشرع .

قوله تعالى : { بالمعروف والله بما تعملون خبير } . والإحداد واجب على المرأة في عدة الوفاة ، أما المعتدة عن الطلاق نظر ، فإن كانت رجعية فلا إحداد عليها في العدة ، لأن لها أن تضع ما يشوق قلب الزوج إليها ليراجعها ، وفي البائنة بالخلع والطلقات الثلاثة قولان : أحدهما : الإحداد كالمتوفى عنها زوجها ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وبه قال أبو حنيفة ، والثاني : لا إحداد عليها ، وهو قول عطاء ، وبه قال مالك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

أي : إذا توفي الزوج ، مكثت زوجته ، متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا ، والحكمة في ذلك ، ليتبين الحمل في مدة الأربعة ، ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس ، وهذا العام مخصوص بالحوامل ، فإن عدتهن بوضع الحمل ، وكذلك الأمة ، عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمسة أيام .

وقوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي : انقضت عدتهن { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } أي : من مراجعتها للزينة والطيب ، { بِالْمَعْرُوفِ } أي : على وجه غير محرم ولا مكروه .

وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة ، على المتوفى عنها زوجها ، دون غيرها من المطلقات والمفارقات ، وهو مجمع عليه بين العلماء .

{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : عالم بأعمالكم ، ظاهرها وباطنها ، جليلها وخفيها ، فمجازيكم عليها .

وفي خطابه للأولياء بقوله : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } دليل على أن الولي ينظر على المرأة ، ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب ، وأنه مخاطب بذلك ، واجب عليه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

هذا أمر من الله{[4014]} للنساء اللاتي يُتَوفّى عنهن أزواجهن : أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال{[4015]} وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ، ومستنده في غير

المدخول بها عُمُوم الآية الكريمة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي : أن ابن مسعود سُئِل عن رجل تزوّج امرأة فمات ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ؟ فترددوا إليه مرارًا{[4016]} في ذلك فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابًا فمن الله ، وإن يكُن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : [ أرى ]{[4017]} لها الصداق كاملا . وفي لفظ : لها صداق مثلها ، لا وكس ، ولا شَطَط ، وعليها العدّة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان{[4018]} الأشجعي فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضى به في بَرْوَع بنت واشق . ففرح عبد الله بذلك فرحًا شديدًا . وفي رواية : فقام رجال من أشجع ، فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بَرْوَع بنت وَاشِق{[4019]} .

ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فإن عدّتها بوضع الحمل ، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة ؛ لعموم قوله : { وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] . وكان ابن عباس يرى : أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع ، أو أربعة أشهر وعشر ، للجمع بين الآيتين ، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سبيعة الأسلمية ، المخرج في الصحيحين من غير وجه : أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة ، وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، وفي رواية : فوضعت حملها بعده بليال ، فلما تَعَلَّتْ من نفاسها تجملت للخُطَّاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكَك ، فقال لها : ما لي أراك مُتَجَمِّلة ؟ لعلك ترجين النكاح . والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعَشْر . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حلَلَتُ حين وضعتُ ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي{[4020]} .

قال أبو عمر بن عبد البر : وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث سُبَيعة ، يعني لما احتج عليه به . قال : ويصحح ذلك عنه : أن أصحابه أفتوا بحديث سبيعة ، كما هو{[4021]} قول أهل العلم قاطبة .

وكذلك يستثنى من ذلك الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمس ليال ، على قول الجمهور ؛ لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحَدّ ، فكذلك{[4022]} فلتكن على النصف منها في العدة . ومن العلماء - كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية - من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام ؛ لعموم الآية ، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية{[4023]} التي تستوي فيها الخليقة . وقد ذكر سعيدُ بن المسيب ، وأبو العالية وغيرهما : أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا ؛ لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتظر به هذه المدة ظهر إن كان موجودًا ، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما : " إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح " {[4024]} . فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم .

قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشرة ؟ قال : فيه ينفخ الروح . وقال الربيع بن أنس : قلت لأبي العالية : لِمَ صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيها الروح . رواهما ابن جرير . ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد ، في رواية عنه ، إلى أن عدة أم الولد عدة الحرة هاهنا ؛ لأنها صارت فراشا كالحرائر ، وللحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن عمرو بن العاص أنه قال : لا تُلْبِسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر{[4025]} ورواه أبو داود ، عن قتيبة ، عن غُنْدَر - وعن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى . وابن ماجة ، عن علي بن محمد ، عن وَكِيع - ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن مَطَر الوراق ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة ، عن عمرو بن العاص ، فذكره{[4026]} .

وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث ، وقيل : إن قبيصة لم يسمع عَمْرًا ، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف ، منهم : سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبو عياض{[4027]} ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز . وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير المؤمنين . وبه يقول الأوزاعي ، وإسحاق بن رَاهْوَيه ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه . وقال طاوس وقتادة : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصفُ عدة الحرة : شهران وخمس ليال . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن صالح بن حَيّ : تعتد بثلاث حيض . وهو قول علي ، وابن مسعود ، وعطاء ، وإبراهيم النخَعي . وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه : عدتها حيضة . وبه يقول ابن عمر ، والشعبي ، ومكحول ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثَور ، والجمهور .

قال الليث : ولو مات وهي حائض أجزأتها . وقال مالك : فلو كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر . وقال الشافعي والجمهور : شهر ، وثلاثة أحب إلي . والله أعلم .

وقوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها ، لما ثبت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمي المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة تؤمن

بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا " {[4028]} . وفي الصحيحين أيضا ، عن أم سلمة : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي تُوفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينُها ، أفنكْحُلُها ؟ فقال : " لا " . كل ذلك يقول : " لا " مرتين أو ثلاثًا . ثم قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر{[4029]} وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة " . قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفْشًا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبًا ولا شيئًا ، حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج فتعطى بَعْرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة - حمار أو شاة أو طير - فَتَفْتَضَّ به فقلما تفتض بشيء إلا مات{[4030]} .

ومن هاهنا ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها ، وهي قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [ البقرة : 240 ] ، كما قاله ابن عباس وغيره ، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره .

والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحُلِيٍّ وغير ذلك وهو واجب في عدة الوفاة قولا واحدًا ، ولا يجب في عدة الرجعية قولا واحدًا ، وهل يجب في عدة البائن ؟ فيه قولان .

ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة{[4031]} والحرة والأمة ، والمسلمة والكافرة ، لعموم الآية . وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا إحداد على الكافرة . وبه يقول أشهبُ ، وابنُ نافع من أصحاب مالك . وحجة قائل هذه المقالة قولهُ صلى الله عليه وسلم{[4032]} : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدّ على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا " : قالوا : فجعله تعبدًا{[4033]} . وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثوري الصغيرة بها ، لعدم التكليف . وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها{[4034]} . ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع ، والله الموفق للصواب .

وقوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي : انقضت عدتهن{[4035]} . قاله الضحاك والربيع بن أنس ، { فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } قال الزهري : أي : على أوليائها { فِيمَا فَعَلْنَ } يعني : النساء اللاتي انقضت عدتهن . قال العوفي{[4036]} عن ابن عباس : إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنَّع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف . روي عن مقاتل بن حيان نحوه ، وقال ابن جريج عن مجاهد : { فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قال : هو النكاح الحلال الطيب . وروي عن الحسن ، والزهري ، والسدي نحو ذلك .


[4014]:في جـ: "من الله تعالى".
[4015]:في جـ: "ليالي".
[4016]:في جـ، أ، و: "إليه شهرا".
[4017]:زيادة من أ، و.
[4018]:في هـ، جـ، ط، أ: "معقل بن يسار" والمثبت هو الصواب.
[4019]:المسند (4/280) وسنن أبي داود برقم (2214، 2215) وسنن الترمذي برقم (1145) وسنن النسائي (6/121) وسنن ابن ماجة برقم (1891).
[4020]:صحيح البخاري برقم (5319) وصحيح مسلم برقم (1484).
[4021]:في جـ: "وهو".
[4022]:في جـ: "وكذلك".
[4023]:في أ: "الجلية".
[4024]:صحيح البخاري برقم (3208) وصحيح مسلم برقم (2643).
[4025]:المسند (4/203).
[4026]:سنن أبي داود برقم (2308) وسنن ابن ماجة برقم (2083).
[4027]:في جـ: "وأبو عاص".
[4028]:صحيح البخاري برقم (5337) وصحيح مسلم برقم (1486) من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها، وصحيح البخاري برقم (5334) وصحيح مسلم برقم (1486) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
[4029]:في جـ: "وعشرا".
[4030]:صحيح البخاري برقم (5336) وصحيح مسلم برقم (1488).
[4031]:في جـ: "الصغير والكبير".
[4032]:في جـ: "عليه السلام".
[4033]:في جـ: "مقيدا".
[4034]:في جـ: "لبعضها".
[4035]:في جـ، أ، و: "عدتها".
[4036]:في جـ: "قال الوالبي".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

يعني تعالى ذكره بذلك : والذين يتوفون منكم من الرجال أيها الناس ، فيموتون ويذرون أزواجا يتربص أزواجهن بأنفسهن .

فإن قال قائل : فأين الخبر عن الذين يتوفون ؟ قيل : متروك لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم ، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهنّ ، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة ، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام ، وهو نظير قول القائل في الكلام : بعض جبّتك متخرقة ، في ترك الخبر عما ابتدىء به الكلام إلى الخبر عن بعض أسبابه . وكذلك الأزواج اللواتي عليهنّ التربص لما كان إنما ألزمهنّ التبرص بأسباب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدىء بذكره إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه ، كما قال الشاعر :

لَعلّيَ إنْ مالَتْ بِيَ الرّيحُ مَيْلَةً ***على ابْنِ أبي ذِبّانَ أنْ يَتَنَدّمَا

فقال «لعلّي » ، ثم قال «أن يتندما » ، لأن معنى الكلام : لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندم إن مالت بي الريح ميلة عليه . فرجع بالخبر إلى الذي أراد به ، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره . ومنه قول الشاعر :

ألمْ تَعْلَمُوا أنّ ابْنَ قَيْسٍ وقَتْلَهُ *** بغيرِ دَمٍ دَارُ المَذَلّةِ حُلّتِ

فألغى «ابن قيس » وقد ابتدأ بذكره ، وأخبر عن قتله أنه ذُلّ .

وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر الذين يتوفون متروك ، وأن معنى الكلام : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ينبغي لهنّ أن يتربصن بعد موتهم وزعم أنه لم يذكر موتهم كما يحذف بعض الكلام ، وأنّ «يتربصن » رفع إذ وقع موقع ينبغي ، وينبغي رفع . وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع يتربصن بوقوعه موقع ينبغي فيما مضى ، فأغنى عن إعادته .

وقال آخرون منهم : إنما لم يذكر «الذين » بشيء ، لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء : مَنْ يلقك منا تُصِبْ خيرا ، الذي يلقاك منا تصيب خيرا . قال : ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء ، وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا .

وأما قوله : يَتَرَبصْنَ بأنْفُسِهِنّ فإنه يعني به : يحتبسن بأنفسهن معتدّات عن الإزواج والطيب والزينة والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرا إلا أن يكن حوامل ، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن ، فإذا وضعن حملهن انقضت عددهن حينئذٍ .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : وَالّذينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَترَبّصْنَ بأنْفُسَهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملاً ، فعدتها أن تضع ما في بطنها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، في قول الله : وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا قال ابن شهاب : جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها ، فإن كانت حاملاً فيحلها من عدتها أن تضع حملها ، وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشر فما استأخر ، لا يحلها إلا أن تضع حملها .

وإنما قلنا : عنى بالتربص ما وصفنا لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وأبو أسامة ، عن شعبة ، وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن حميد بن نافع ، قال : سمعت زينب ابنة أم سلمة تحدّث قال أبو كريب : قال أبو أسامة ، عن أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها ، واشتكت عينها ، فأتت النبيّ صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل ، فقال : «لَقَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَكُونَ فِي الجاهِلِيّةِ فِي شَرّ أحْلاسِها ، فَتَمْكُثُ فِي بَيْتِها حَوْلاً إذَا تُوُفي عَنْها زَوْجُها ، فَيَمُرّ عَلَيْها الكَلبُ فَترْمِيهِ بالبَعْرَةِ أفَلا أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا » .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : سمعت نافعا ، عن صفية ابنة أبي عبيد أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم تحدّث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لاَ يَحِلّ لامْرأةٍ تُؤْمِنُ باللّهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ أنْ تُحِدّ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاّ على زَوْجٍ فإنها تُحِدّ عَلَيْهِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا » .

قال يحيى : والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران ، ولا تكتحل ولا تزّيّن .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى ، عن نافع ، عن صفية ابنة أبي عبيد ، عن حفصة بنة عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لا يَحِلّ لاِمْرأةٍ تُؤْمِنُ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِر أنْ تُحِدّ على مَيتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا على زَوْج » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني حميد بن نافع أن زينب ابنة أم سلمة أخبرته عن أم سلمة ، أو أم حبيبة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم : أن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها ، وأنها قد خافت على عينها . فزعم حميد عن زينب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بالبَعْرَةِ على رأسِ الحَوْلِ ، وإنّمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع : أنه سمع زينب ابنة أم سلمة تحدّث عن أم حبيبة أو أمّ سلمة أنها ذكرت أن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم قد توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها وهي تريد أن تكحل عينها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بالبَعْرَةِ بَعْدَ الحَوْلِ ، وإنّمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ » قال ابن بشار : قال يزيد ، قال يحيى : فسألت حميدا عن رميها بالبعرة ، قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها عمدت إلى شرّ بيتها ، فقعدت فيه حولاً ، فإذا مرّت بها سنة ألقت بعرة وراءها .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى ، عن حميد بن نافع بهذا الإسناد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة : أن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها ، أفتكتحل ؟ فقال : «قَدْ كانَتْ إحْداكُنّ تَرْمي بالبَعْرَةِ على رأسِ الحَوْلِ ، وإنمَا هِيَ الاَنَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ » . قال : قلت : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ قال : كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهنّ لبست أطمار ثيابها ، وجلست في أخسّ بيوتها ، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار ، وقالت : قد حللت .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أمها أم سلمة ، وأم حبيبة زوجي النبيّ صلى الله عليه وسلم : أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد خفت على عينها ، وهي تريد الكحل . قال : «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بالبَعْرَةِ على رأسِ الحَوْلِ وإنّمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ » ، قال حميد : فقلت لزينب : وما رأس الحول ؟ قالت زينب : كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها عمدت إلى أشرّ بيت لها فجلست فيه ، حتى إذا مرّت بها سنة خرجت ، ثم رمت ببعرة وراءها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا معصفرا ، ولا تكتحل بالإثمد ، ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها ، ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب ، ولا تلبس حليا وتلبس البياض ولا تلبس السواد .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها : لا تكتحل ، ولا تطّيّب ، ولا تبيت عن بيتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب تَجلبَبُ به .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : بلغني عن ابن عباس ، قال : تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزيّن وتطيب .

4حدثنا نصر بن علي ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تمسّ طيبا ، ولا تكتحل ، ولا تمتشط . وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد .

وقال آخرون : إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة ، فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنزل فلم تنه عن ذلك ، ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن : أنه كان يرخص في التزين والتصنع ، ولا يرى الإحداد شيئا .

4حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا لم يقل تعتدّ في بيتها ، تعتدّ حيث شاءت .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : قال ابن عباس : إنما قال الله : وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُم وَيَذْرَوُنَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا ولم يقل تعتدّ في بيتها ، فلتعتد حيث شاءت .

واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح ، وجعلوا حكم الآية على الخصوص . وبما :

4حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، وحدثني محمد بن معمر البحراني ، قال : حدثنا أبو عامر ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن طلحة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَسَلّبِي ثَلاثا ثُم اصْنَعِي ما شِئْتِ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو نعيم وابن الصلت ، عن محمد بن طلحة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الله بن شداد ، عن أسماء ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله .

قالوا : فقد بين هذا الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا إحداد على المتوفى عنها زوجها ، وأن القول في تأويل قوله : يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره .

وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها ، وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها ، فانهم اعتلوا بظاهر التنزيل وقالوا : أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا ، فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنزيل بعينه ، بل عمّ بذلك معاني التربص . قالوا : فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء ، إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها . قالوا : فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة مما هو داخل في عموم الآية كما التربص عن الأزواج داخل فيها . قالوا : وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب . أما في النقلة ، فإن :

4أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، عن فليح بن سليمان ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته الفريعة ابنة مالك أخت أبي سعيد الخدري قالت : قتل زوجي وأنا في دار ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النقلة ، فأذن لي . ثم ناداني بعد أن توليت ، فرجعت إليه ، فقال : «يا فُرَيْعَةُ حتى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ » .

قالوا : فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها ما خالفه .

قالوا : وأما ما روى عن ابن عباس فإنه لا معنى له بخروجه عن ظاهر التنزيل والثابت من الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

قالوا : وأما الخبر الذي روى عن أسماء ابنة عميس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره إياها بالتسلّب ثلاثا ، ثم أن تصنع ما بدا لها ، فإنه غير دالّ على أن لا إحداد على المرأة ، بل إنما دلّ على أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم إياها بالتسلب ثلاثا ، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه مما لم يكن زينة ولا تطيبا لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب . وذلك كالذي أذن صلى الله عليه وسلم للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العَصْب وبرود اليمن ، فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلّب ، وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه ، فإن لها لبسه ، لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس .

فإن قال لنا قائل : وكيف قيل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل وعشرة ؟ وإذ كان التنزيل كذلك ، أفبالليالي تعتدّ المتوفى عنها العشر أم بالأيام ؟ قيل : بل تعتدّ بالأيام بلياليها . فإن قال : فإذ كان ذلك كذلك فكيف قيل وعشرا ولم يقل وعشرة ، والعشر بغير الهاء من عدد الليالي دون الأيام ؟ فإن أجاز ذلك المعنى فيه ما قلت ، فهل تجيز عندي عشر وأنت تريد عشرة من رجال ونساء ؟ قلت : ذلك جائز في عدد الليالي والأيام ، وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال النساء وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة إذا أبهمت العدد غلبت فيه الليالي ، حتى إنهم فيما رُوي لنا عنهم ليقولون : صمنا عشرا من شهر رمضان ، لتغليبهم الليالي على الأيام وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام ، فإذا أظهروا مع العدد مفسره أسقطوا من عدد المؤنث الهاء ، وأثبتوها في عدد المذكر ، كما قال تعالى ذكره : سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيَامٍ حُسُوما فأسقط الهاء من سبع ، وأثبتها في الثمانية . وأما بنو آدم ، فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء ثم أبهمت عددها أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث ، وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم ، وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم ، وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى ، كما قيل للذكر والأثنى شاة ، وقيل للذكور والإناث من البقر بقر ، وليس كذلك في بني آدم .

فإن قال : فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر ؟ قيل : قد قيل في ذلك فيما :

4حدثنا به ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجَا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا قال : قلت : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيه الروح في العشر .

4حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو عاصم ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشر ؟ قال : فيه ينفخ الروح .

القول في تأويل قوله تعالى : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنّ بالمَعْرُوفِ .

يعني تعالى ذكره بقوله : فإذا بلغن الأجل الذي أبيح لهنّ فيه ما كان حظر عليهن في عددهن من وفاة أزواجهنّ ، وذلك بعد انقضاء عددهن ، ومضيّ الأشهر الأربعة والأيام العشرة ، فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف . يقول : فلا حرج عليكم أيها الأولياء أولياء المرأة فيما فعل المتوفي عنهنّ حينئذٍ في أنفسهن من تطيب وتزين ونقلة من المسكن الذي كنّ يعتددن فيه ونكاح من يجوز لهن نكاحه بالمعروف يعني بذلك : على ما أذن الله لهنّ فيه وأباحه لهن . وقد قيل : إنما عنى بذلك النكاح خاصة . وقيل : إن معنى قوله بالمَعْرُوفِ إنما هو النكاح الحلال . ذكر من قال ذلك :

4حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنّ بالمَعْرُوفِ قال : الحلال الطيب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنّ بالمَعْرُوفِ قال : المعروف : النكاح الحلال الطيب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : قوله : فِيما فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهنّ بالمَعْرُوفِ قال : هو النكاح الحلال الطيب .

4حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : هو النكاح .

4حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب : فِيما فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنّ بالمَعْرُوفِ قال : في نكاح من هوينه إذا كان معروفا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .

يعني تعالى ذكره بذلك : والله بما تعملون أيها الأولياء في أمر من أنتم وليه من نسائكم من عضلهن وإنكاحهنّ ممن أردن نكاحه بالمعروف ، ولغير ذلك من أموركم وأمورهم ، خبير يعني ذو خبرة وعلم ، لا يخفى عليه منه شيء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

{ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } أي أزواج الذين ، أو والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم ، كقولهم السمن منوان بدرهم . وقرئ { يتوفون } بفتح الياء أي يستوفون آجالهم ، وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور والأيام ، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابا إلى الأيام حتى إنهم يقولون صمت عشرا ويشهد له قوله تعالى : { إن لبثتم إلا عشرا } ثم { إن لبثتم إلا يوما } ولعل المقتضى لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ، ولأربعة إن كان أنثى فاعتبر أقصى الأجلين ، وزيد عليه العشر استظهارا إذ ربما تضعف حركته في المبادي فلا يحس بها ، وعموم اللفظ يقتضي تساوي المسلمة والكتابية فيه ، كما قاله الشافعي والحرة والأمة كما قاله الأصم ، والحامل وغيرها ، لكن القياس اقتضى تنصيف المدة للأمة ، والإجماع خص الحامل منه لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وعن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنها تعتد بأقصى الأجلين احتياطا . { فإذا بلغن أجلهن } أي انقضت عدتهن . { فلا جناح عليكم } أيها الأئمة أو المسلمون جميعا . { فيما فعلن في أنفسهن } من التعرض للخطاب وسائر ما حرم عليهن للعدة . { بالمعروف } بالوجه الذي لا ينكره الشرع ، ومفهومه أنهن لو فعلن ما ينكره فعليهم أن يكفوهن ، فإن قصروا فعليهم الجناح . { والله بما تعملون خبير } فيجازيكم عليه .