الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { والذين يتوفون } الآية . قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ، ثم أنزل الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فهذه الآية عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها . وقال في ميراثها ( ولهن الربع مما تركتم ) ( النساء الآية 12 ) فبين ميراث المرأة ، وترك الوصية والنفقة { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم } يقول : إذا طلقت المرأة أو مات عنها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال : ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر ، لأن العشر ينفخ فيه الروح .

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب ما بال العشر ؟ قال : فيه ينفخ الروح .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ربيعة ويحيى بن سعيد . أنهما قالا في قوله { وعشرا } : عشر ليال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { فإذا بلغن أجلهن } يقول : إذا انقضت عدتها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله { فلا جناح عليكم } يعني أولياءها .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } قال : كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا عليها ذلك ، فأنزل الله ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف ) ( البقرة الآية 240 ) قال : فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية ، إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت . وهو قول الله { غير إخراج } وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها في أهله ، فتعتد حيث شاءت . وهو قول الله ( غير إخراج ) قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، لقول الله ( فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ) قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى ، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس . أنه كره للمتوفى عنها زوجها ، الطيب والزينة . وقال : إنما قال الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ولم يقل : في بيوتكم ، تعتد حيث شاءت .

وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن سعد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وصححه عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري . أنه جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه . قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم . فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني ، أو أمر بي فدعيت فقال : كيف قلت ؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته ، فاتبعه وقضى به " .

وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عمر بن الخطاب : أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج .

وأخرج مالك وعبد الرزاق عن ابن عمر قال : لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها .

وأخرج مالك وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة . أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها سفيان بن حرب ، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فأدهنت به جارية ، ثم مست به بطنها ، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " وقالت زينب : دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فمسحت منه ، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا . وقالت زينب : سمعت أمي أم سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول : لا ، ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشرا " وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول . قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة عند رأس الحول ؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتقتض به ، فقلما تقتض بشيء إلا مات ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره .

وأخرج مالك ومسلم من طريق صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " . وقد أخرج النسائي وابن ماجة حديث صفية عن حفصة وحدها ، وحديث عائشة من طريق عروة عنها .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أم عطية قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر ، فإنها لا تكتحل ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار " .

وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ، ولا الممشقة ، ولا الحلي ، ولا تختضب ، ولا تكتحل " .

وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا ، قال : ما هذا يا أم سلمة ؟ قلت : إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب . قال : إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل ، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قلت : بأي شيء امتشط يا رسول الله ؟ قال : بالسدر تغلفين به رأسك " .

وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار قالا : عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمس ليال .

وأخرج مالك عن ابن عمر قال : عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة .

وأخرج مالك عن القاسم بن محمد قال : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضتان .

وأخرج مالك عن القاسم بن محمد ، أن يزيد بن عبد الملك فرق بين الرجال ونسائهم أمهات لأولاد رجال هلكوا ، فتزوجهن بعد حيضة أو حيضتين ، ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا . قال القاسم بن محمد : سبحان الله ! يقول الله في كتابه { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } ما هن لهم بأزواج .

وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا في أم الولد ، إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر .