النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهُنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } يعني بالتربص زمان العِدّة في المتوَّفى زوجُها ، وقيل في زيادة العشرة على الأشهر الأربعة ما قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية أن الله تعالى ينفخ الروح في العشرة ، ثم ذكر العشر بالتأنيث تغليباً لليالي على الأيام إذا اجتمعت لأن ابتداء الشهور طلوع الهلال ودخول الليل{[352]} ، فكان تغليب الأوائل على الثواني أوْلى .

واختلفوا في وجوب الإِحْدَادِ فيها على قولين :

أحدهما : أن الإِحْدَاد فيها واجب ، وهو قول ابن عباس ، والزهري .

والثاني : ليس بواجب ، وهو قول الحسن .

روى عبد الله ابن شداد بن الهاد ، عن أسماء بنت عُمَيس قالت : لمّا أصيب جعفر بن أبي طالب ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تَسَلَّبي{[353]} ثَلاَثاً ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْتِ " . والإِحْدَادُ : الامتناع من الزينة ، والطيب ، والترجل ، والنُّقْلة{[354]} .

ثم قال تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيكُم فِيمَا فَعَلنَّ فِي أَنْفُسِهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فإن قيل : فما المعنى في رفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهن ؟ ففيه جوابان :

أحدهما : أن الخطاب تَوَجّه إلى الرجال فيما يلزم النساء من أحكام العِدّة ، فإذا بلغن أجلهن ارتفع الجناح عن الرجال في الإنكار عليهن وأخذهن بأحكام عددهن{[355]} .

والثاني : أنه لا جناح على الرجال في نكاحهن بعد انقضاء عِدَدِهن .

ثم قوله تعالى : { فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } تأويلان : أحدهما : من طيب ، وتزْين ، ونقلة من مسكن ، وهو قول أبي جعفر الطبري .

والثاني : النكاح الحلال ، وهو قول مجاهد . وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى :

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَتَاعاً إِلَى الْحَولِ غَيرَ إِخْرَاج }

[ البقرة : 240 ] فإن قيل : فهي متقدمة والناسخ يجب أن يكون متأخراً ، قيل هو في التنزيل متأخر ، وفي التلاوة متقدم . فإن قيل : فَلِمَ قُدِّم في التلاوة مع تأخره في التنزيل ؟ قيل : ليسبق القارىء إلى تلاوته ومعرفة حكمه حتى إن لم يقرأ ما بعده من المنسوخ أجزأه .


[352]:- الليل: في ك الليالي.
[353]:- تسلبي: البسي ثياب الحداد السود. والفعل سلب بكسر اللام أي لبس السلاب جمعه سلب ككتاب وكتب.
[354]:- النقلة: الانتقال أي من بيت الزوج إلا أن يكون هذا البيت لا حق لها في سكناه كان يكون مغصوبا أو مستحق الأجر ولم يدفع.
[355]:- ما بين الزاويتين سقط من ق.