نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

ولما ذكر الرضاع وكان من تقاديره ما إذا مات الأب ذكر عدة الوفاة{[10931]} لذلك وتتميماً لأنواع العدد فقال{[10932]} . وقال الحرالي : لما ذكر عدة الطلاق الذي هو فرقة الحياة انتظم برأس آيته{[10933]} ذكر عدة الوفاة الذي هو فراق الموت واتصل بالآية السابقة لما انجر في ذكر الرضاع من موت الوالد وأمر الوارث وكذلك كل آية تكون رأساً لها متصلان متصل بالرأس النظير لها المنتظمة به ومتصل بالآية السابقة قبلها بوجه ما- انتهى . فقال : { والذين{[10934]} } أي وأزواج الذين { يتوفون منكم } أي {[10935]}يحصل وفاتهم{[10936]} بأن{[10937]} يستوفي{[10938]} أنفسهم التي كانت عارية في أبدانهم الذي{[10939]} أعارهم إياها . قال الحرالي : من الوفاة وهو استخلاص الحق من حيث وضع ، إن الله عز وجل نفخ الروح وأودع النفس ليستوفيها بعد أجل من حيث أودعها فكان ذلك توفياً{[10940]} تفعلاً{[10941]} من الوفاء وهو أداء الحق { ويذرون } من الوذر{[10942]} وهو أن يؤخذ المرء عما شأنه إمساكه { أزواجاً } بعدهم . ولما أريد تأكيد{[10943]} التربص مراعاة لحق{[10944]} الأزواج وحفظاً لقلوب الأقارب واحتياطاً للنكاح أتى به في صيغة الخبر الذي من شأنه أن يكون قد وجد وتمّ فقال : { يتربصن } أي ينتظرن أزواجهن{[10945]} لانقضاء العدة . ولما كان الممنوع إنما هو العقد والتعرض له بالأفعال دون طلبه بالتعريض قال {[10946]}معبراً بالنفس لذلك وللتنبيه على أن العجلة عن ذلك إنما تكون شهوة نفسانية بهيمية ليكون ذلك حاويا{[10947]} على{[10948]} البعد عنها : { بأنفسهن } فلا يبذلنها{[10949]} لزوج{[10950]} ولا يخرجن من{[10951]} منزل الوفاة ويتركن الزينة وكل ما للنفس فيه شهوة تدعو{[10952]} إلى النكاح كما بينت ذلك السنّة { أربعة أشهر وعشراً } إن كن حرائر{[10953]} ولم يكن حمل{[10954]} {[10955]}سواء كانت صغيرة أو كبيرة تحيض أو لا ، ابتداؤها من حين الوفاة لأنها السبب{[10956]} وغلب الليالي فأسقط{[10957]} التاء لأن أول الشهر الليل { فإذا بلغن أجلهن } ولما كان الله{[10958]} سبحانه وتعالى قد جعل المسلمين كالجسد الواحد وكان الكلام في أزواج الموتى أعلم سبحانه وتعالى بأنه يجب على إخوانهم المسلمين من حفظ حقوقهم ما كانوا يحفظونه لو كانوا أحياء بقوله : { فلا جناح عليكم } أي يا أهل الدين { فيما } ولما كان لا بد من إذن المرأة وقد تأذن للقاضي على رغم{[10959]} الولي عند عضله مثلا أسند الفعل إليهن فقال : { فعلن في أنفسهن{[10960]} } أي من النكاح ومقدماته {[10961]}التي كانت ممنوعة منها بالإحداد{[10962]} ، ولا يحمل هذا على المباشرة ليكون{[10963]} دليلاً على{[10964]} - إنكاح المرأة نفسها لمعارضة آية { ولا تعضلوهن } المتأيدة{[10965]} بالسنّة . ولما كان ذلك قد لا يكون على وجه شرعي قال : { بالمعروف } لينصرف إلى الكامل فلا يكون في ذلك شوب نكارة{[10966]} ، فإن فعلن ما ينكر كان على الناس الجناح بترك الأمر{[10967]} كما عليهن بالفعل ؛ وأجمع الفقهاء غير أبي مسلم الأصفهاني على أن هذه الآية ناسخة لآية العدة بالحول ، والتقدم في التلاوة لا يمنع التأخر في النزول لأن{[10968]} الترتيب ليس على ترتيب النزول - نقل ذلك الشمس الأصفهاني ، ويرد عليه ما سيأتي{[10969]} نقله له{[10970]} عن مجاهد .

ولما كان التقدير : فالله حد لكم هذه الحدود فاحفظوها عطف عليه{[10971]} قوله محذراً من التهاون في شيء منها في أنفسهم أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق غيرهم : { والله } أي الذي له صفات الكمال { بما تعملون } من سر وعلانية . ولما كان هنا من أمر{[10972]} العدة{[10973]} ما لم تعرفه العرب قبل فربما أنكرته القلوب لكونها{[10974]} لم تفهم سره وكان أمر النكاح وإن قيد بالمعروف باطناً ختم بقوله{[10975]} { خبير {[10976]}* } أي يعلم خفايا البواطن كما يعلم ظواهرها فاحذروا مخالفته وأطيعوا أمره .


[10931]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الوفا.
[10932]:ليس في ظ.
[10933]:من م ومد وظ، وفي الأصل: آتية.
[10934]:مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدم ذكر عدة طلاق الحيض واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع وكان في ضمنها قوله "وعلى الوارث مثل ذلك" أي وارث المولود له ذكر عدة الوفاة إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض، وقرأ الجمهور: يتوفون – بضم الياء مبنيا للمفعول، وقرأ على والمفضل عن عاصم بفتح الياء مبنيا للفاعل، ومعنى هذه القراءة أنهم يستوفون آجالهم – البحر المحيط 2 / 221.
[10935]:سقطت من ظ، وفي مد: تحصل وفاتهم.
[10936]:سقطت من ظ، وفي مد: تحصل وفاتهم.
[10937]:من م ومد، وفي الأصل: كان، وفي ظ: أي.
[10938]:في م ومد: تستوفي.
[10939]:في م: التي.
[10940]:من م ومد وظ، وفي الأصل: ترقبا.
[10941]:من م وظ وفي الأصل: تفصيلا، ولا يتضح في مد.
[10942]:يذر معناه يترك، ويستعمل منه الأمر ولا يستعمل منه اسم الفاعل ولا المفعول وجاء الماضي منه على طريق الشذوذ – قاله الأندلسي في البحر المحيط 2 / 220.
[10943]:سقط من م ولا يتضح في مد.
[10944]:في الأصل: بحق، والتصحيح من م وظ ومد.
[10945]:في ظ: أزواجهم.
[10946]:العبارة من هنا إلى "البعد عنها" ساقطة من ظ.
[10947]:من مد، وفي الأصل وم: حاديا.
[10948]:في الأصل: عن، والتصحيح من م ومد.
[10949]:من مد وظ وفي الأصل وم: فلا يبدلنها.
[10950]:العبارة من هنا إلى "السنة" ليست في ظ.
[10951]:من م ومد وفي الأصل: عن.
[10952]:من م، وفي الأصل: يدعوا ولا يتضح في مد.
[10953]:في الأصل: حرير، والتصحيح من بقية الأصول.
[10954]:زيد في الأصل "حمل" مكرر فحذف. وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 2 / 22: وقال الراغب: ذكر الأطباء أن الولد في الأكثر إذا كان يتحرك بعد ثلاثة أشهر وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر، وزيد على ذلك "عشرا" استظهارا، قال: وخصت العشرة بالزيادة لكونها أكمل الأعداد وأشرفها لما تقدم في "تلك عشرة كاملة" قال القشيري: لما كان حمل الميت أعظم لأن فراقه لم يكن بالاختيار كانت مدة وفاته أطول وفي ابتداء الإسلام كانت عدة الوفاة سنة ثم ردت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد كما قيل: وكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهن الحزن.
[10955]:العبارة من هنا إلى "لأنها السبب" ليست في ظ.
[10956]:من م ومد، وفي الأصل: المسبب.
[10957]:زيدت من م وظ ومد، وفي البحر المحيط 2 / 223: قالوا معناه وعشر ليال ولذلك حذف التاء وهي قراءة ابن عباس والمراد عشر ليال بأيامها فيدخل اليوم العاشر، قيل وغلب حكم الليالي إذ الليالي أسبق من الأيام والأيام في ضمنها وعشر أخف في اللفظ، ولا تنقضي عدتها إلا بانقضاء اليوم العاشر – هذا قول الجمهور.
[10958]:زيد من م وظ ومد.
[10959]:من م ومد وظ، وفي الأصل: زعم.
[10960]:قال الزمخشري: "فيما فعلن في أنفسهن" من التعرض للخطاب بالمعروف بالوجه الذي لا ينكره الشرع، والمعنى أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة أن يكفوهن، وإن فرطوا كان عليهم الجناح – انتهى كلامه، وهو حسن – البحر المحيط 2 / 225.
[10961]:ليست في ظ.
[10962]:ليست في ظ.
[10963]:في م: لتكون.
[10964]:زيد من م وظ ومد.
[10965]:في مد: المتابدة .
[10966]:في ظ: نكادة، ولا يتضح في مد.
[10967]:في مد: لامر.
[10968]:من م ومد وظ وفي الأصل: لأنه.
[10969]:في مد: يأتي.
[10970]:زيد من م وظ ومد.
[10971]:سقط من م.
[10972]:ليس في مد وظ.
[10973]:ليست في مد وظ.
[10974]:ليست في مد وظ.
[10975]:العبارة المحجوزة زيدت من م ومد وظ.
[10976]:أخره في الأصل: عن "ظواهرها" وفي البحر المحيط 2 / 220: خبير للمبالغة من خبرت الشيء علمته، ومنه قتل أرضا خابرها وخبرت زيدا اختبرته، ولهذه المادة يرجع الخبر لأنه الشيء المعلم به، والخبار الأرض اللينة، وفيه 2 / 225: وهو العلم بما لطف والتقصى له.