إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

{ والذين } على حذف المضافِ أي وأزواجُ الذين { يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } أي تُقبض أرواحُهم بالموت فإن التوفيَ هو القبضُ يقال : توفّيتُ مالي من فلان واستوفيتُه منه أي أخذته وقبضته ، والخطاب لكافة الناس بطريق التلوينِ { وَيَذَرُونَ أزواجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } أو على حذف العائد إلى المبتدأ في الخبر أي يتربصن بعدَهم كما في قولهم : السمنُ مَنَوانِ بدرهم أي مَنَوانِ منه وقرئ يَتَوفون بفتح الياء أي يستوفون آجالَهم ، وتذكيرُ العشر باعتبار الليالي لأنها غُررُ الشهور والأيام ولذلك تراهم لا يكادون يستعملون التذكير في مثله أصلاً حتى إنهم يقولون : صُمت عشراً ومن البين في ذلك قولُه تعالى : { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [ طه ، الآية 103 ] ثم { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [ طه ، الآية 104 ] ولعل الحكمةَ في هذا التقديرِ أن الجنينَ إذا كان ذكراً يتحرك غالباً لثلاثة أشهر وإن كان أنثى يتحرك لأربعة فاعتُبر أقصى الأجلين وزيد عليه الأيام العشر استظهاراً إذ ربما تضعف الحركة فلا يُحس بها . وعمومُ اللفظ يقتضي تساوي المسلمة والكتابية والحرة والأمة في هذا الحكم ولكن القياسَ اقتضى التنصيفَ في الأَمَة ، وقولُه عز وجل : { وأولات الأحمال } [ الطلاق ، الآية 4 ] خَصَّ الحاملَ منه . وعن علي وابنِ عباس رضي الله عنهم أنها تعتدُّ بأبعد الأجلين احتياطاً { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي انقضت عدتُهن { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الحكامُ والمسلمون جميعاً { فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ } من التزيُّن والتعرُّض للخُطّاب وسائرِ ما حُرِّم على المعتدة { بالمعروف } بالوجه الذي لا ينكره الشرعُ ، وفيه إشارةٌ إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرعُ فعليهم أن يكفّوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجُناحُ { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فلا تعملوا خلافَ ما أُمرتم به .