التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (234)

قوله تعالى{ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف }

قال الشيخ الشنقيطي : ظاهر هذه الآية الكريمة ان كل متوفي عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر ، ولكنه في موضع آخر أن محل ذلك ما لم تكن حاملا ، فإن كانت حاملا كانت عدتها وضع حملها ، وذلك في قوله{ وأولات الأحمال اجلهن ان يضعن حملهن }ويزيده إيضاحا ما ثبت في الحديث المتفق عليه من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية في الزواج بوضع حملها بعد وفاة زوجها بأيام ، وكون عدة الحامل المتوفى عنها بوضع حملها هو الحق ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم خلافا لمن قال : تعتد بأقصى الأجلين . ا . ه .

روى مالك : عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ، أن الفريعة بنت مالك بن سنان ، وهي أخت أبي سعيد الخدري ، أخبرتها : أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى اهلها في بني خدرة . فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا . حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه . قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع على أهلي في بني خدرة . فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " قالت : فانصرفت . حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أمر بي فنوديت له فقال : " كيف قلت " ؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " .

قالت : فاعتددت في أربعة أشهر وعشرا . قالت : فلما كان عثمان بن عفان ، أرسل إلي فسألني عن ذلك ؟ فأخبرته . فاتبعه وقضى به .

( الموطأ2/591 ، ك الطلاق ، ب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها . . . ) ، وأخرجه أبو داود( 2/291 ك الطلاق ، ب المتوفى عنها زوجها تنتقل ، ح2300 ) ، والترمذي( ك الطلاق ، ب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها ح 1204 ) كلاهما من طريق مالك به . وأخرجه أحمد في المسند( 6/420 ) من طريق بشر بن المفصل عن سعد بن إسحاق به . وأخرجه ابن ماجة( رقم 2031-كتاب الطلاق ، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها )من طريق سليمان بن حيان ، والحاكم في ( المستدرك 2/208 )من طريق يحيى بن سعيد كلهم عن سعد بن إسحاق بن كعب به . أما ما وقع عند مالك باسم( سعيد بن إسحاق فقد قال ابن عبد البر : هكذا قال يحيى-أي راوي الموطأ-تابعه بعضهم وأكثر الرواة يقولون فيه : سعد بن إسحاق وهو الأشهر( التمهيد 21/27 ) . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا الحديث عند أكثر اهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم . وقال ابن عبد البر : حديث مشهور معروف . ( التمهيد 21/31 ) . وقال الحاكم على تصحيحه . وصححه الألباني في( صحيح سنن أبي داود ح 2016 ) .

قال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا أيوب بن موسى قال : أخبرني حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أبي سلمة قالت : لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها ذراعيها وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا " .

( الصحيح-الجنائز ، ب إحداد المرأة على غير زوجها 3/146 ح1280 )وأخرجه مسلم في( صحيحه 2/1125 ح1486 ) .

قال مسلم : وحدثنا حسن بن الربيع ، حدثنا ابن إدريس عن هشام ، عن حفصة ، عن ام عطية ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث . إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا . ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب . ولا تكتحل ولا تمس طيبا . إلا إذا طهرت ، نبذة من قسط أو أظفار " . ( صحيح مسلم 2/127 ح141 ولعده-الطلاق ، ب وجوب الإحداد ) .

وقال : حدثنا محمد بن المثنى العنزي . حدثنا عبد الوهاب . قال : سمعت يحيى ابن سعيد . أخبرني سليمان بن يسار ؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة . وهما يذكران المراة تنفس بعد وفاة زوجها بليال . فقال ابن عباس : عدتها آخر الأجلين . وقال أبو سلمة : قد حلت . فجعلا يتنازعان ذلك . قال : فقال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي( يعني ابا سلمة )فبعثوا كريبا( مولى ابن عباس ) إلى ام سلمة يسألها عن ذلك ؟ فجاءهم فأخبراهم ؛ أن ام سلمة قالت : إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال . وغنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فأمرها ان تتزوج .

( الصحيح-الطلاق ، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل 2/1122 ح 1458 ) ، وأخرجه البخاري في ( صحيحه 8/623 ح4909 ) .

قال البخاري : حدثنا حبان . حدثنا عبد الله . أخبرنا عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين قال : جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث ، فقال عبد الرحمن : ولكن عمه كان لا يقول ذلك ، فقلت : إني لجرئ إن كذبت على رجل في جانب الكوفة . ورفع صوته . قال : ثم خرجت فلقيت مالك ابن عامر-او مالك بن عوف-قلت : كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ فقال : قال ابن مسعود : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة ؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى .

( البخاري 8/193 ح4532 ، كتاب التفسير-سورة البقرة الآية 234 ) .

قال البخاري : وقال الليث : حدثني يونس ، عن ابن شهاب قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ان أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره ان يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته . فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله ابن عتبة يخبره ان سبيعة بنت الحارث أخبرته انها كانت تحت سعد بن خوله-وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا-فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب ان وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك-رجل من بني عبد الدار-فقال لها : ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح ؟ فإنك والله ما انت بناكح ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .

تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس وقال الليث : حدثني يونس عن ابن شهاب وسألناه فقال : أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي ان محمد بن إياس بن البكير-وكان أبوه شهد بدرا-أخبره .

( البخاري 7/360 ح3991- ك المغازي ، وأخرجه موصولا 9/469 ح5319 ) ، وأخرجه مسلم في صحيحه( 2/1122 ك الطلاق ، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل رقم 1484 ) .

قال مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد . قالا : حدثنا يزيد بن هارون . أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع ؛ انه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن ام سلمة وأم حبيبة . تذكران ان امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرت له ان بنتا لها توفي عنها زوجها . فاشتكت عينها فهي تريد ان تكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول . وإنما هي أربعة أشهر وعشر " .

( مسلم 2/1126 ح1486 إلى 1488- ك الطلاق ، ب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام ) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا ان تكون حاملا ، فعدتها أن تضع ما في بطنها .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال : { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } ، قال : الحلال الطيب .