وقوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ . . . }
يقال : كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج ، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن ( الذين ) ؟ فذلك جائز إذا ذكِرت أسماء ثم ذُكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه . فهذا من ذلك ؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به : ومن مات عنها زوجها تربصتْ . فترِك الأوّل بلا خبر ، وقُصِد الثاني ؛ لأن فيه الخبر والمعنى . قال : وأنشدني بعضهم :
بنى أسَد إنّ ابن قيس وقتلَه *** بغير دم دارُ المذَلَّة حُلَّت
فألقى ( ابن قيس ) وأخبر عن قتله أنه ذُلّ . ومثله :
لعلّي إن مالت بِي الرِّيح مَيْلة *** على ابن أبى ذِبَّان أن يتندَّما
فقال : لعلّي ثم قال : أن يتندما ؛ لأن المعنى : لعلَّ ابن أبى ذبَّان أن يتندّم إِن مالت بي الريح . ومثله قوله : { والذِين يتوفَّوْن مِنكم ويذرون أَزواجا وصِيَّةً لأزواجِهِم } إلا أن الهاء من قوله { وصِيَّة لأزواجِهِم } رجعتْ على ( الذين ) فكان الإعراب فيها أبين ؛ لأن العائد من الذِّكْر قد يكون خبرا ؛ كقولك : عبد الله ضربته .
وقال : { وَعَشْراً } ولم يقل : " عشرة " وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلَّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون : قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليهم الليالي على الأيام . فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء ، والدُّكْران بالهاء ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : { سَخَّرها عليهِم سبع ليالٍ وثمانية أَيامٍ حُسُوما } فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت ، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن . وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلَّبت الليالي أيضا على الأيَّام . فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلَّبت التأنيث ، فقلت : مضى له سبع ، ثم تقول بعد : أيام فيها بَرْد شديد . وأما المختلِط فقول الشاعر :
أقامت ثلاثا بين يوم وليلة *** وكان النكير أن تضِيف وتَجْارا
فقال : ثلاثا وفيها أيام . وأنت تقول : عندي ثلاثة بين غلام وجارية ، ولا يجوز هاهنا ثلاث ؛ لأن الليالي من الأيام تغِلب الأيام . ومثل ذلك في الكلام أن تقول : عندي عَشْر من الإبل وإن عنيت أجمالا ، وعشر من الغنم والبقر . وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء ، مثل البقر واحدته بقرة ، فتقول : عندي عشر من البقر وإن نويت ذُكْرانا . فإذا اختلطا وكان المفسِّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت : عندي خمس عشرة ناقة وجملا ، فأنَّثت لأنك بدأت بالناقة فغلَّبتها . وإن بدأت بالجمل قلت : عندي خمسة عشر جملا وناقة . فإن قلت : بين ناقة وجمل فلم تكن مفسَّرة غلَّبت التأنيث ، ولم تبالِ أبدأت بالجَملَ أو بالناقة ؛ فقلت : عندي خمس عشرة بين جمل وناقة . ولا يجوز أن تقول : عندي خمس عشرة أمَة وعبدا ، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير ؛ لأن الذُكْران من غير ما ذكَرت لك لا يُجتزأ منها بالإناث ، ولأن الذَكَر منها موسوم بغير سِمَة الأنثى ، والغنم والبقر يقع على ذَكَرها وأنثاها شاة وبقرة ، فيجوز تأنيث المذكَّر لهذه الهاء التي لزِمت المذكَّر والمؤنَّث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.