11- وأن الله سبحانه هو الذي يحفظكم ، فكل واحد من الناس له ملائكة تحفظه بأمر الله وتتناوب علي حفظه من أمامه ومن خلفه ، وأن الله سبحانه لا يغير حال قوم من شدة إلي رخاء ، ومن قوة إلي ضعف ، حتى يغيروا ما بأنفسهم بما يتناسب مع الحال التي يصيرون إليها ، وإذا أراد الله أن ينزل بقوم ما يسوؤهم فليس لهم ناصر يحميهم من أمره ، ولا من يتولي أمورهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم .
قوله تعالى : { له معقبات } ، أي : لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار ، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار ، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل . والتعقيب : العود بعد البدء ، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب ، وجمعه معقبة ، ثم جمع الجمع معقبات ، كما قيل : ابناوات سعد ورجالات بكر .
أخرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصالة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ربهم - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " . قوله تعالى : { من بين يديه ومن خلفه } ، يعني : من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، ومن خلفه : من وراء ظهره ، { يحفظونه من أمر الله } ، يعني : بأمر الله ، أي : يحفظونه بإذن الله تعالى ما لم يجيء المقدور ، فإذا جاء المقدور خلوا عنه . وقيل : يحفظونه من أمر الله : أي مما أمر الله به من الحفظ عنه . قال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل به ، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك ! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه . قال كعب الأحبار : لولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن . وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونه من بين أيديهم ومن خلفهم . وقيل : الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، كما قال الله تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد } [ ق-17 ] . قال ابن جريج : معنى يحفظونه أي : يحفظون عليه أعماله من أمر الله ، يعني : الحسنات والسيئات .
وقيل : الهاء في قوله { له } : راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : روى جؤيبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ، يعني : من شر الجن وطوارق الليل والنهار .
وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة ، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، وهما عامريان ، يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجل الناس . فقال رجل : يا رسول الله ، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه فإن يرد الله به خيرا يهده . فأقبل حتى قام عليه ، فقال : يا محمد مالي إن أسلمت ؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين . قال : تجعل لي الأمر بعدك . قال : ليس ذلك إلي ، إنما ذلك إلى الله عز وجل ، يجعله حيث يشاء . قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ، قال : لا . قال : فلماذا تجعل لي ؟ . قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها . قال : أو ليس ذلك إلى اليوم ؟ قم معي أكلمك . فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد من خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه بالسيف ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله تعالى عنه ، فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما صنع بسيفه ، فقال : اللهم أكفنيهما بما شئت . فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته ، وولى عامر هاربا وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يمنعك الله تعالى من ذلك ، وأبناء قيلة ، يريد : الأوس والخزرج .
فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه ، فجعل يركض في الصحراء ، ويقول : ابرز يا ملك الموت ، ويقول الشعر ، ويقول واللات والعزى لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي ، فأرسل الله إليه ملكا فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة ، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية . ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل عامر بن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة ، وأنزل الله عز وجل في هذه القصة قوله : " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه " ، يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله . يعني تلك المعقبات من أمر الله ، وفيه تقديم وتأخير . وقال لهذين : { إن الله لا يغير ما بقوم } ، من العافية والنعمة ، { حتى يغيروا ما بأنفسهم } . من الحال الجميلة فيعصوا ربهم . { وإذا أراد الله بقوم سوءاً } ، أي : عذابا وهلاكا { فلا مرد له } أي : لا راد له { وما لهم من دونه من وال } ، أي : ملجأ يلجؤون إليه . وقيل : وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم .
{ 11 } { لَه } أي : للإنسان { مُعَقِّبَاتٌ } من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار .
{ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } أي : يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء ، ويحفظون عليه أعماله ، وهم ملازمون له دائما ، فكما أن علم الله محيط به ، فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد ، بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم ، ولا ينسى منها شيء ، { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } من النعمة والإحسان ورغد العيش { حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية ، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها .
وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية ، فانتقلوا إلى طاعة الله ، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة ، { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا } أي : عذابا وشدة وأمرا يكرهونه ، فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم .
فإنه { لَا مَرَدَّ لَهُ } ولا أحد يمنعهم منه ، { وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } يتولى أمورهم فيجلب لهم المحبوب ، ويدفع عنهم المكروه ، فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين .
( له معقبات من بين يديه ومن خلفه - يحفظونه - من أمر الله ) . .
والحفظة التي تتعقب كل إنسان ، وتحفظ كل شاردة وكل واردة وكل خاطرة وكل خالجة ، والتي هي من أمر الله ، لا يتعرض لها السياق هنا بوصف ولا تعريف . أكثر من أنها . ( من أمر الله ) . . فلا نتعرض نحن لها : ما هي ? وما صفاتها ? وكيف تتعقب ? وأين تكون ? ولا نذهب بجو الخفاء والرهبة والتعقب الذي يسبغه السياق . فذلك هو المقصود هنا ؛ وقد جاء التعبير بقدره ؛ ولم يجيء هكذا جزافا ؛ وكل من له ذوق بأجواء التعبير يشفق من أن يشوه هذا الجو الغامض بالكشف والتفصيل !
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . .
فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم . فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى ، ولا يغير عزا أو ذلة ، ولا يغير مكانة أو مهانة . . . إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم ، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم . وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون . ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم ، ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم .
وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة ؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته ، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر ؛ وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم . والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل . وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله ، أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه .
وبعد تقرير المبدأ يبرز السياق حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء ؛ لأنهم - حسب المفهوم من الآية - غيروا ما بأنفسهم إلى أسوء فأراد لهم الله السوء :
( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) . .
يبرز السياق هذا الجانب هنا دون الجانب الآخر لأنه في معرض الذين يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة . وقد قدم لهم هناك المغفرة على العذاب ليبرز غفلتهم ، وهو هنا يبرز العاقبة السوأى وحدها لإنذارهم حيث لا يرد عذاب الله عنهم - إذا استحقوه بما في أنفسهم - ولا يعصمهم منه وال يناصرهم . .
وقوله : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه ، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار ، يحفظونه من الأسواء{[15470]} والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، فاثنان عن اليمين و[ عن ]{[15471]} الشمال يكتبان الأعمال ، صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات ، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحدا{[15472]} من ورائه وآخر من قدامه ، فهو بين أربعة أملاك بالنهار ، وأربعة آخرين بالليل بدلا حافظان وكاتبان ، كما جاء في الصحيح : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم :
كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " {[15473]} وفي الحديث الآخر : " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع ، فاستحيوهم وأكرموهم " {[15474]} .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } والمعقبات من أمر الله ، وهي الملائكة .
وقال عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } قال : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خَلَّوا عنه .
وقال مجاهد : ما من عبد إلا له{[15475]} مَلَك موكل ، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك : وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه .
وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } قال : ذلك{[15476]} ملك من ملوك الدنيا ، له حرس من دونه حرس .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني : ولي الشيطان ، يكون عليه الحرس . وقال عِكْرِمة في تفسيرها : هؤلاء الأمراء : المواكب من بين يديه ومن خلفه .
وقال الضحاك : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } قال : هو السلطان{[15477]} المحترس{[15478]} من أمر الله ، وهم أهل الشرك .
والظاهر ، والله أعلم ، أن مُرَاد ابن عباس وعِكْرِمة والضحاك بهذا أن حرس الملائكة للعبيد{[15479]} يشبه حرس هؤلاء لملوكهم وأمرائهم .
وقد روى الإمام أبو جعفر ابن جرير هاهنا حديثًا غريبا جدا فقال :
حدثني المثنى ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي قال : دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن العبد ، كم معه من ملك{[15480]} ؟ فقال : " ملك على يمينك على حسناتك ، وهو آمر{[15481]} على الذي على الشمال ، إذا عملت حسنة كتبت عشرا ، فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين : اكتب ؟ قال : لا لعله يستغفر الله ويتوب . فإذا قال ثلاثا قال :
نعم ، اكتب أراحنا الله منه ، فبئس القرين . ما أقل مراقبته لله وأقل استحياءه منا " . يقول الله : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] وملكان من بين يديك ومن خلفك ، يقول الله : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبرت على الله قصمك ، وملكان على شفتيك ، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، وملك قائم على فيك لا يَدَع الحية أن تدخل في فيك ، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي{[15482]} ينزلون{[15483]} ملائكة الليل على ملائكة النهار ؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار ، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس بالنهار وولده بالليل " {[15484]} .
قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا سفيان ، حدثني منصور ، عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة " . قالوا : وإياك يا رسول الله ، قال : " وإياي ، ولكن أعانني الله عليه{[15485]} فلا يأمرني إلا بخير " .
انفرد بإخراجه مسلم{[15486]} .
وقوله : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } قيل : المراد حفظُهم له من أمر الله . رواه علي بن أبي طلحة ، وغيره ، عن ابن عباس . وإليه ذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغيرهم .
وقال قتادة : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } قال : وفي بعض القراءات : " يحفظونه بأمر الله " .
وقال كعب الأحبار : لو تجلَّى لابن آدم كل سهل وحزن ، لرأى كل شيء من ذلك شياطين{[15487]} لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم ، إذا لتُخُطّفتم .
وقال أبو أمامة{[15488]} ما من آدمي إلا ومعه ملك يَذُود عنه ، حتى يسلمه للذي قدر له .
وقال أبو مِجْلَز : جاء رجل من مُرَاد إلى علي ، رضي الله عنه ، وهو يصلي ، فقال : احترس ، فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك . فقال : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدّر ، فإذا جاء القَدَرُ خَليا بينه وبينه ، وإن الأجل جنة حَصِينة{[15489]} . وقال بعضهم : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } بأمر الله ، كما جاء في الحديث أنهم قالوا : يا رسول الله ، أرأيت رُقَى نسترقي بها ، هل ترد من قَدَر الله شيئا ؟ فقال : " هي من قَدَر الله " {[15490]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن جَهْم ، عن إبراهيم قال : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : أن قل لقومك : إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله ، إلا تحول لهم مما يحبون إلى ما يكرهون ، ثم قال : إن مصداق{[15491]} ذلك في كتاب الله : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
وقد ورد هذا في حديث مرفوع ، فقال الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه " صفة العرش " : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا الهيثم بن الأشعث السلمي ، حدثنا أبو حنيفة اليمامي{[15492]} الأنصاري ، عن عمير بن عبد الله{[15493]} قال : خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة ، قال : كنت إذا سكتُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأني ، وإذا سألته عن الخبر أنبأني ، وإنه حدثني عن ربه ، عز وجل ، قال : " قال الرب : وعزتي وجلالي ، وارتفاعي فوق عرشي ، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهتُ من معصيتي ، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي ، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي " {[15494]} .