لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

{ له معقبات } يعني : لله ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار ، فإذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة النهار والتعقيب العود بعد البدء وإنما ذكر معقبات بلفظ التأنيث ، وإن كان الملائكة ذكوراً لأن واحدها معقب ، وجمعها معقبة ثم جمع المعقبة معقبات . كما قيل أبناوات سعد ورجالات بكر ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يتعقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر ، وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ، وهو أعلم بهم ، كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون . وقيل : إن مع كل واحد من بني آدم ملكين ملك عن يمينه ، وهو صاحب الحسنات وملك عن شمال وهو كاتب السيئات وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل العبد حسنة كتبها له بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيئة قال صاحب الشمال لصاحب اليمين أكتبها عليه فيقول : انظره لعله يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات ، فإن هو تاب منها وإلا قال : اكتبها عليه سيئة واحدة وملك موكل بناصية العبد فإذا تواضع العبد لله عز وجل رفعه بها ، وإن تجبر على الله عز وجل وضعه بها وملك موكل بعينيه يحفظهما من الأذى وملك موكل بفيه لا يدعه يدخل فيه شيء من الهوام يؤذيه فهؤلاء خمسة أملاك موكلون بالعبد في ليله وخمسة غيرهم في نهاره ، فانظر إلى عظمة الله تعالى وقدرته وكمال شفقته عليك أيها العبد المسكين » . وهو قوله تعالى { من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } يعني : يحفظون العبد من بين يديه ومن وراء ظهره ، ومعنى من أمر الله بأمر الله وإذنه ما لم يجئ القدر فإذا جاء خلوا عنه . وقيل : معناه إنهم يحفظونه ، بما أمر الله به من الحفظ له . قال مجاهد : ما من عبد إلا وملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه يؤذيه إلا قال له الملك وراءك ، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه .

وقال كعب الأحبار : لولا أن الله تعالى وكلَّ بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن .

وقال ابن جريج : معنى يحفظونه أي يحفظون عليه الحسنات والسيئات ، وهذا على قول من يقول : إن الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم والضمير في قوله له راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس في معنى هذه الآية : لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من شر الجن وطوارق الليل والنهار .

وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، وهما من بني عامر بن زيد وكانت قصتهما على ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . قال : «أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وهما من بني عامر بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه فدخل المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر ، وكان من أجمل الناس وكان أعور فقال : يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه فان يرد الله به خيراً يهده فأقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ما لي إن أسلمت ؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين . قال : تجعل الأمر لي بعدك ؟ قال ليس ذلك لي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء . قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ؟ قال : لا قال : فما تجعل لي ؟ قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها . قال : أوليس ذلك لي اليوم قم معي أكلمك فقال معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عامر قد أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل عامر يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه ودار أربد بن ربيعة من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه ، فاخترط شبراً من سيفه ثم حبسه الله تعالى عليه فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما صنع بسيفه ، فقال : اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته فولى عامر هارباً وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد ، والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً وشباباً مرداً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يمنعني الله من ذلك « وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج ، فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه ، فخرج له خراج في أصل أذنه أخذه منه مثل النار فاشتد عليه فقال غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ، ثم ركب فرسه وجعل يركض في الصحراء ، ويقول : ادن يا ملك الموت وجعل يقول الشعر ، ويقول لئن أبصرت محمداً وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل الله إليه ملكاً فلطمه ، فأرداه في التراب ثم عاد فركب جواده حتى مات على ظهره ، وأجاب الله عز وجل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامر بن الطفيل فمات بالطعن ، وأربد بن ربيعة مات بالصاعقة وأنزل الله عز وجل في شأن هذه القصة سواء منكم من أسر القول ، ومن جهر به إلى قوله له معقبات من بين يديه ، ومن خلفه يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه من أمر الله أي بأمر الله وقيل : إن تلك المعقبات من أمر الله ، وفيه تقديم وتأخير تقديره له معقبات من أمر الله يحفظونه من بيه يديه ومن خلفه ، وقوله { إن الله لا يغير ما بقوم } خطاب لهذين عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، يعني لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة التي أنعم بها عليهم { حتى يغيروا ما بأنفسهم } يعني : من الحالة الجميلة فيعصون ربهم ، ويجحدون نعمه عليهم فعند ذلك تحل نقمته بهم ، وهو قوله تعالى { وإذا أراد الله بقوم سوءاً } يعني هلاكاً وعذاباً { فلا مرد له } يعني لا يقدر أحد أن يرد ما أنزل الله بهم من قضائه وقدره { وما لهم من دونه من وال } يعني وليس لهم من دون الله من وال يلي أمرهم ونصرهم ويمنع العذاب عنهم .