فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

{ لَهُ معقبات } الضمير في «له » راجع إلى " من " في قوله : { من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف } أي : لكل من هؤلاء معقبات . والمعقبات : المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه ، ويكون بدلاً منه ، وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين . قال الزجاج : المعقبات ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض ، وإنما قال : معقبات مع كون الملائكة ذكوراً ؛ لأن الجماعة من الملائكة يقال لها : معقبة ، ثم جمع معقبة على معقبات : ذكر معناه الفراء ، وقيل : أنث لكثرة ذلك منهم نحو نسابة وعلامة . قال الجوهري : والتعقب العود بعد البدء . قال الله تعالى : { ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ } [ النمل : 10 ] وقرئ " معاقيب " جمع معقب { مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي : من بين يدي من له المعقبات ، والمراد : أن الحفظة من الملائكة من جميع جوانبه ؛ وقيل : المراد بالمعقبات : الأعمال ، ومعنى { من بين يديه ومن خلفه } : ما تقدم منها وما تأخر . { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } أي : من أجل أمر الله ، وقيل : يحفظونه من بأس الله إذا أذنب بالاستمهال له والاستغفار حتى يتوب . قال الفراء : في هذا قولان : أحدهما أنه على التقديم والتأخير . تقديره : له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، والثاني أن كون الحفظة يحفظونه هو مما أمر الله به . قال الزجاج : المعنى : حفظهم إياه من أمر الله أي : مما أمرهم به لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله . قال ابن الأنباري : وفي هذا قول آخر ، وهو أن «من » بمعنى الباء ، أي : يحفظونه بأمر الله . وقيل : إن " من " بمعنى عن ، أي : يحفظونه عن أمر الله ، بمعنى من عند الله ، لا من عند أنفسهم ، كقوله : { أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ } [ قريش : 4 ] أي : عن جوع . وقيل : يحفظونه من ملائكة العذاب . وقيل : يحفظونه من الجن . واختار ابن جرير أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء ، على معنى أن ذلك لا يدفع عنه القضاء .

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ } من النعمة والعافية { حتى يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } من طاعة الله ، والمعنى : أنه لا يسلب قوماً نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذي بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة ، أو يغيروا الفطرة التي فطرهم الله عليها . قيل : وليس المراد ، أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب ، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير كما في الحديث إنه ( سأل رسول الله سائل فقال : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث ) { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا } أي : هلاكاً وعذاباً { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } أي فلا ردّ له .

وقيل : المعنى إذا أراد الله بقوم سوءاً أعمى قلوبهم ، حتى يختاروا ما فيه البلاء { وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ } يلي أمرهم ويلتجئون إليه ، فيدفع عنهم ما ينزل بهم من الله سبحانه من العقاب ، أو من ناصر ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله . والمعنى : أنه لا رادّ لعذاب الله ولا [ ناقص ] لحكمه .

/خ11