غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

ثم ذكر ما يجري في الظاهر مجرى السبب لاستواء علمه بحال المسر والمعلن فقال :{ له } أي لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب { معقبات } جماعات من الملائكة تعقب في حفظه وكلاءته . والأصل معتقبات فأدغمت ، أو هو على أصله من عقبه بالتشديد إذا جاء على عقبه لأن بعضهم يعقب بعضاً ، أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه . والتأنيث للمبالغة نحو " نسابة " و " علامة " ، أو لأنه جمع معقبة أي ملائكة معقبة أو جماعة معقبة . وقوله : { من أمر الله } ليس من صلة الحفظ لأنه قدرة للملك ولا لأحد من الخلق على أن يحفظوا أحداً من قضاء الله وإنما هو صفة أخرى كأنه قيل : له معقبات من أمر الله يحفظونه ، أو له معقبات يحفظونه ، ثم بين سبب الحفظ فقال : { من أمر الله } أي من أجل أن الله أمرهم بحفظه فمن بمعنى الباء وقرأ به عليّ وابن عباس وغيرهما ، ويجوز أن يكون صلة على معنى يحفظونه من بأس الله إذا أذنب بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب . قال ابن جريج : هو مثل قوله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } [ ق : 17 ] صاحب اليمين يكتب الحسنات والذي عن يساره يكتب السيئات . وقال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته . وقيل : المراد يحفظونه من جميع المهالك من بين يديه ومن خلفه لأن كلاّ من المستخفي والسارب إذا سعى في مهماته فإنما يحذر من الجهتين . وما الفائدة في تسليط هؤلاء على ابن آدم ؟ قال علماء الشريعة : إن الشياطين يدعون إلى المعاصي والشرور وهؤلاء الملائكة يدعون إلى الخيرات والطاعات بالإلهامات الحسنة والإخطارات الشريفة . وإذا علم ابن آدم أن معه ملائكة يحصون عليه أفعاله وأقواله استحيا منهم وكان ذلك له رادعاً قوياً ، وقد مر في هذا الباب كلام في " الأنعام " في قوله : { ويرسل عليكم حفظةً } فليتذكر { الآية : 61 ] .

وللآية تفسير آخر منقول عن ابن عباس واختاره أبو مسلم الأصفهاني قال : المعقبات الحرس وأعوان الملوك ، والجملة وهي قوله : { له معقبات } صفة للمستخفي والسارب أو حال منه لكونه نكرة موصوفة أي يستوي في علم الله السر والجهر ، والمستخفي بظلمة الليل والسارب بالنهار مستظهراً بالمعاونين والأنصار . والمقصود بعث الأمراء والسلاطين على أن يطلبوا الخلاص عن المكاره بعصمة الله لا بالحرس والأعوان ولذلك ختم الآية بقوله : { وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال } ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم .

قالت الأشاعرة : في هذا الكلام دلالة على أن العبد غير مستقل في الفعل لأنه إذا كفر العبد فلا شك أنه تعالى حكم بكونه مستحقاً للذم في الدنيا والعقاب في الآخرة ، فلو كان العبد مستقلاً لحصل الإيمان وكان راداً لقضاء الله تعالى .

وقالت المعتزلة : هذا معارض بما تقدم عليه من كلام الله وهو قوله : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } لأنه لو ابتدأ بالعبد أول ما يبلغ بالضلال والخذلان كان ذلك من أعظم العقاب مع أنه ما كان منه تغيير . قالوا : وفيه دليل على أنه لا يعاقب أطفال المشركين بذنوب آبائهم لأنهم لم يغيروا ما بأنفسهم من نعمة فيغير الله ما بهم من النعمة إلى العقاب . أجابت الأشاعرة بأن هذا راجع إلى قوله : { ويستعجلونك } بين الله سبحانه بذلك أنه لا ينزل بهم عذاب الاستئصال إلا والمعلوم منهم الإصرار على الكفر حتى قالوا : إذا كان المعلوم أن فيهم من يؤمن أو في أعقابهم من يؤمن فإنه لا يستأصلهم .

ورد بأن هذا خلاف الظاهر وقد صرح بذلك في سورة الأنفال في قوله : { ذلك بأن لله لم يك مغيراً } [ الآية : 53 ] الآية .

والحق أن ترتب النقمة على تغيير النعمة لا ينافي استناد تغيير النعمة إليه فإنه مبدأ المبادىء وانتهاء الوسائط وسبب الأسباب .

/خ11