تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

{ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال11 } .

المفردات :

معقبات : هم الحفظة ، يأتي بعضهم بعقب بعض .

من بين يديه : من قدامه .

من خلقه : من ورائه .

من أمر الله : أي : بأمره وإعانته .

وال : ناصر .

التفسير :

11 { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله . . . } .

أي : لكل واحد من هؤلاء المذكورين ممن يسرون القول أو يجهرون به ، ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار ، ويحيطون به من جميع جوانبه لحفظه ورعايته ، ولكتابة أقواله وأعماله ، وهذا التعقيب والحفظ إنما هو بسبب أمر الله تعالى لهم بذلك ، فإذا جاء قدر الله تخلوا عنه ، وفي الحديث الصحيح : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم ؛ فيسألهم ، وهو أعلم بهم ، كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون )ix . ( أخرجه البخاري ) .

{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .

جعل الله لهذا الكون نواميس وأسباب ؛ فمن سلك طريق الهدى ؛ يسر الله له سبل الهداية ، ومن بدل نعمة الله كفرا ؛ غير الله عطاءه له إلى نقمة وعقاب في الدنيا والآخرة ، وتلك آية في العدالة الإلهية ؛ فقد جعل للنصر أسبابا ، وللهلاك أسبابا ، فلا يسلب الله نعمة أنعم بها على قوم ؛ حتى يغيروا ما بأنفسهم ، من الخير والأعمال الصالحة .

قال تعالى : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }( النحل : 112 ) .

ويصح أن يكون المعنى : إن الله لا يغير ما بقوم من العقاب والبلاء ؛ حتى يغيروا ما بأنفسهم من المعاصي ؛ ليكونوا أهلا لعفوه ورحمته .

ومن أسباب استحقاق الناس للعقوبة ؛ ظهور الفاحشة يتعامل بها علانية ، وإهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

جاء في تفسير المراغي :

روى : أن أبا بكر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ؛ يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب )x .

وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }( الأنفال : 25 ) .

وأشار إلى ذلك العلامة ابن خلدون في مقدمة التاريخ تحت عنوان ( فصل : في أن الظلم مؤذن بخراب العمران ) .

وأخذ يضرب الأمثال بكثير من الأمم ، التي ثل الظلم عروشها ، وأذل أهلها ، وجعلها طعمة للآكلين ، ومثلا للآخرين .

قال تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }( الأنبياء : 105 ) ، أي : الصالحون لعمارتها والانتفاع بها .

{ وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له } .

أي : إذا أراد الله بقوم سوءا ، من مرض وفقر ونحوهما ، من أنواع البلاء ، كالهلاك والعذاب فلا مرد له . فلا دافع لبلائه على اختلاف أنواعه ، وقيل : المعنى : { إذا أراد الله بقوم سوءا ؛ أعمى أبصارهم وبصائرهم ؛ فاختاروا ما فيه هلاكهم وعملوا بأنفسهم ، فيستحيل لذلك رده عنهم .

{ ومالهم من دونه من وال } . أي : ليس لهم ملجأ أو ناصر غيره يقيهم من أخذ الله لهم ، ويدفع عنهم السوء ، وفي هذا دلالة قاطعة على أن تخلف مراد الله تعالى محال ، وإيذان بأنهم حين أنكروا البعث ، واستعجلوا السيئة ، واقترحوا الآية ؛ قد استحقوا العذاب ، الذي لا يستطيع أحد دفعه عنهم ؛ إذا أراد الله نزوله بهم .