الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

وقوله سبحانه : { لَهُ معقبات مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } [ الرعد : 11 ] المعنى : جعل اللَّه للعبد معقِّباتٍ يحفظونه في كلِّ حالٍ من كلِّ ما جرى القَدَرُ باندفاعه ، فإِذا جاء المَقْدُور الواقعُ ، أسلم المَرْءُ إِليه ، وال{ معقبات } ؛ على هذا التأويل : الحَفَظَةُ على العِبَادِ أَعمالهم ، والحَفَظَةُ لهم أيضاً ، قاله الحسن ، وروى فيه عن عثمانَ بْنِ عَفَّان حديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا أقوى التأويلات في الآية ، وعبارةُ البخاريِّ : { معقبات } : ملائكةٌ حَفَظَةٌ يَعْقُبُ الأَوَّلُ منها الآخِرَ . انتهى .

وقالَتْ فرقةٌ : الضمير في «له » عائدٌ على اسم اللَّه المتقدِّم ذكره ، أي : للَّه معقِّبات يحفظون عَبْده ، والضمير في قوله : { يَدَيْهِ } وما بعده عن الضمائر عائدٌ على العَبْد ، ثم ذكر سبحانه أنه لا يغيِّر هذه الحالة مِنَ الحفْظِ للعبدِ ؛ حتَّى يغير العبد ما بنَفْسِهِ ، وال{ معقبات } : الجماعاتُ التي يَعْقَب بعضُها بعضاً ، وهي الملائكةُ ، وينظر هذا إِلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بالنَّهَارِ ) الحديث .

وفي قراءة أُبيِّ بْنِ كَعْب : «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ » ، وقرأ ابن عباس : «وَرُقَبَاءُ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ » ، وقوله : { يَحْفَظُونَهُ } : أي : يحرسونه ويذبُّون عنه ، ويحفظونَ أيضاً أعماله ، ثم أخبر تعالى ؛ أَنه إِذا أَراد بقومٍ سوءاً ، فلا مردَّ له ، ولا حِفْظَ منه .