روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر ، والحسن ، وقتادة والضحاك . وقال عبد الله بن مسعود : { الماعون } الفأس ، والدلو ، والقدر ، وأشباه ذلك ، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . قال مجاهد : { الماعون } العارية . وقال عكرمة : أعلاها الزكاة المعروفة ، وأدناها عارية المتاع . وقال محمد بن كعب والكلبي : { الماعون } المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم . قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له : سعة ولا منعة ، أي شيء قليل ، فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً ؛ لأنه قليل من كثير . وقيل : { الماعون } ما لا يحل منعه ، مثل : الماء ، والملح ، والنار .
{ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } أي : يمنعون إعطاء الشيء ، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية ، أو الهبة ، كالإناء ، والدلو ، والفأس ، ونحو ذلك ، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به{[1483]} .
فهؤلاء -لشدة حرصهم- يمنعون الماعون ، فكيف بما هو أكثر منه .
وفي هذه السورة ، الحث على إكرام{[1484]} اليتيم ، والمساكين ، والتحضيض على ذلك ، ومراعاة الصلاة ، والمحافظة عليها ، وعلى الإخلاص [ فيها و ] في جميع الأعمال .
والحث على [ فعل المعروف و ] بذل الأموال الخفيفة ، كعارية الإناء والدلو والكتاب ، ونحو ذلك ؛ لأن الله ذم من لم يفعل ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، والحمد لله رب العالمين .
ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون . يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية . يمنعون الماعون عن عباد الله . ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله . .
وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة ، وأمام طبيعة هذا الدين . ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل . لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا . إنما أدوا حركات لا روح فيها . ولم يتجردوا لله فيها . إنما أدوها رياء . ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء . بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء !
وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .
إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .
فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير ? وهذه الرحمة ? وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ? أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ?
وقوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول : ويمنعون الناس منافع ما عندهم ، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته ، يقال للماء الذي ينزل من السحاب : ماعون ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة .
بأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَاعُونِهِ *** إذَا ما سَماؤُهُمُ لَمْ تَغِمْ
*** يَمُجّ صَبِيرُهُ المَاعُونَ صَبّا ***
قَوْمٌ على الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعوا *** ما عُونَهُمْ وَيُضَيّعوا التّهْليلا
يعني بالماعون : الطاعة والزكاة .
واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُنِيَ به الزكاة المفروضة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال عليّ رضي الله عنه ، في قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : الزكاة .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال عليّ رضي الله عنه : المَاعُونَ : الزكاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي صالح ، عن عليّ رضي الله عنه قال : المَاعُونَ : الزكاة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : يمنعون زكاة أموالهم .
حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام قالا : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح ، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : الزكاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { المَاعُونَ } قال : الزكاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عليّ ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أن عليا رضي الله عنه كان يقول : المَاعُونَ : الصدقة المفروضة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ } أن عليا رضي الله عنه قال : هي الزكاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : المَاعُونَ : الزكاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي المُغيرة ، قال : سأل رجل ابن عمر عن الماعون ، قال : هو المال الذي لا يؤدّى حقه . قال : قلت : إن ابن أمّ عبد يقول : هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم ، قال : هو ما أقول لك .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة ، قال : سمعت أبا المُغيرة قال : سألت ابن عمر ، عن الماعون ، فقال : هو منع الحقّ .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سُئل ابن عمر عن الماعون ، فقال : هو الذي يُسأل حقّ ماله ويمنعه ، فقال : إن ابن مسعود يقول : هو القدر والدلو والفأس ، قال : هو ما أقول لكم .
حدثني هارون بن إدريس الأصمّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن خالد ، عن سلمة بن كهيل ، أن ابن عمر سُئل عن قول الله : { وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : الذي يُسأل مال الله فيمنعه ، فقال الذي سأله ، فإن ابن مسعود يقول : هو الفأس والقدر ، قال ابن عمر : هو ما أقول لك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن إسماعيل بن خالد ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سأل رجل ابن عمر عن الماعون ، فذكر مثله .
حدثني سليمان بن محمد بن معدي كرب الرّعَيني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : ثني سلمة بن كهيل ، قال : سمعت أبا المغيرة : رجلاً من بني أسد ، قال : سألت عبد الله بن عمر عن الماعون ، قال : هو منع الحقّ ، قلت : إن ابن مسعودٍ قال : هو منع الفأس والدلو . قال : هو منع الحقّ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي المغيرة ، عن ابن عمر قال : هي الزكاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السّديّ ، عن أبي صالح ، عن عليّ ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا جابر بن زيد بن رفاعة ، عن حسان بن مخارق ، عن سعيد بن جُبير ، قال : المَاعُونَ : الزكاة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والحسن : الماعون : الزكاة المفروضة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن أبي عمر ، عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال : هي الزكاة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : الزكاة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : هم المنافقون يمنعون زكاة أموالهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : المَاعُونَ : الزكاة المفروضة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن عقبة ، قال : سمعت الحسن يقول : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : منعوا صدقات أموالهم ، فعاب الله عليهم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن { الّذِينَ هُمْ يُراءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : هو المنافق الذي يمنع زكاة ماله ، فإن صلى رأى ، وإن فاتته لم يَأس عليها .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سلمة ، عن الضحاك ، قال : هي الزكاة .
وقال آخرون : هو ما يتعاوَرُهُ النّاس بينهم من مثل الدّلو والقِدر ونحو ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا ابن أبي إدريس ، عن الأعمش ، عن الحكم بن يحيى بن الجزار ، عن أبي العبيدين ، أنه قال لعبد الله : أخبرني عن الماعون ؟ قال : هو ما يتعاوره الناس بينهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن أبي العبيدين : رجل من بني تميم ضرير البصر ، وكان يسأل عبد الله بن مسعود ، وكان ابن مسعود يعرف له ، فسأل عبد الله عن الماعون ، فقال عبد الله : إن من الماعون منع الفأس والقدر والدلو ، خصلتان من هؤلاء الثلاث ، قال شعبة : الفأس ليس فيه شكّ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن الجزار ، عن أبي العبيدين ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عليَة ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن الجزار ، أن أبا العبيدين : رجلا من بني تميم ، كان ضرير البصر ، سأل ابن مسعود عن الماعون ، فقال : هو منع الفأس والدلو ، أو قال : منع الفأس والقدر .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، أن أبا العبيدين سأل ابن مسعود ، عن الماعون ، قال : هو ما يتعاوره الناس بينهم ، الفأس والقدر والدلو .
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنا أبو الجوّاب ، عن عمار بن رزيق ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن أبي العبيدين ، عن عبد الله ، كنا أصحاب محمد نحدّث أن الماعون : القدر والفأس والدلو . قال أبو بكر : قال أبو الجوّاب ، وخالفه زهير بن معاوية فيما :
حدثنا به الحسن الأشيب ، قال : حدثنا زُهَير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن حارثة ، عن أبي العبيدين ، حدثني محمد بن عبيد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن أبي العبيدين وسعيد بن عياض ، عن عبد الله ، قال : كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدّث أن الماعون : الدلو والفأس والقدر ، لا يستغنى عنهنّ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن ابن أبي إسحاق ، عن سعد بن عياض ، قال أبو موسى : هكذا قال غُنْدَر عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : إن من الماعون : الفأس والدلو والقدر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن عياض ، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله .
قال : ثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت سعد بن عياض ، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن أبي العبيدين ، قال : قال عبد الله : الماعون : القدر والفأس والدلو .
حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا المسعوديّ ، قال : أخبرنا سلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين ، وكانت به زمانة ، وكان عبد الله يعرف له ذلك ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ما الماعون ؟ قال : ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن أبي العبيدين ، أنه سأل ابن مسعود ، عن الماعون ، فقال : ما يتعاطاه الناس بينهم .
قال : ثنا مهران ، عن الحسن وسلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين ، عن ابن مسعود ، قال : الفأس والدلو والقدر وأشباهه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن المسعوديّ ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين ، أنه سأل ابن مسعود ، عن قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } فذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد ، عن ابن مسعود ، قال : الفأس والقدر والدلو .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيميّ ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله قال : المَاعُونَ : منع الفأس والقدر والدلو .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الحرث بن سويد ، عن عبد الله ، أنه سُئل عن الماعون ، قال : ما يتعاوره الناس بينهم : الفأس والدلو وشبهه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحرث ، عن ابن مسعود ، قال : الدلو والفأس والقدر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن عياض ، عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : الماعون : الفأس والقدر والدلو .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : سُئل عبد الله عن الماعون ، قال : ما يتعاوره الناس بينهم ، الفأس والقدر والدلو وشبهه .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم أنه قال : هو عارية الناس : الفأس والقدر والدلو ونحو ذلك ، يعني الماعون .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، بمثله .
قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس مثله ، قال : الفأس والدلو .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت الأسديّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : المَاعُونَ : العارية .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : هو العارية .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : { الماعُونَ } قال : متاع البيت .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أراه عن ابن عباس «شكّ أبو كُرَيب » { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : المتاع .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : هو متاع البيت .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : يمنعونهم العارية ، وهو الماعون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : يمنعون الزكاة ، ومنهم من قال : يمنعون الطاعة ، ومنهم من قال : يمنعون العارية .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : لم يجىء أهلها بعد .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : المَاعُونَ : ما يتعاطى الناس بينهم .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : أخبرنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ليث ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، قال : قال عليّ رضي الله عنه : الماعون : منع الزكاة والفأس والدلو والقدر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم النبيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جُبير قال : الماعون : العارية .
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال : الدلو والقدر والفأس .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول : الماعون : منع الدلو وأشباه ذلك .
وقال آخرون : الماعون : المعروف . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا محمد بن رفاعة ، قال : سمعت محمد بن كعب يقول : الماعون : المعروف .
وقال آخرون : الماعون : هو المال . ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن حرب ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الماعون ، بلسان قريش : المال .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهريّ ، قال : الماعون : بلسان قريش : المال .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل ، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم ، وأنهم يمنعونه الناس ، خبرا عاما ، من غير أن يخصّ من ذلك شيئا ، أن يقال : إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ؛ لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض .
{ ويمنعون الماعون } أي الصدقة أو الزكاة ، قال تعالى في المنافقين : { ويقبضون أيديهم } [ التوبة : 67 ] فلما عُرفوا بهذه الخلال كان مفاد فاء التفريع أن أولئك المتظاهرين بالصلاة وهم تاركوها في خاصتهم هم من جملة المكذبين بيوم الدين ويدُعُّون اليتيم ولا يحضّون على طعام المسكين .
وحكى هبة الله بن سَلاَمَة في كتاب « الناسخ والمنسوخ » : أن هذه الآيات الثلاث نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، أي فإطلاق صيغة الجمع عليه مراد بها واحد على حد قوله تعالى : { كذبت قوم نوح المرسلين } [ الشعراء : 105 ] أي الرسول إليهم .
والسهو حقيقته : الذهول عن أمر سبق عِلمُه ، وهو هنا مستعار للإِعراض والترك عن عمد استعارة تهكمية مثل قوله تعالى : { وتنسون ما تشركون } [ الأنعام : 41 ] أي تعرضون عنهم ، ومثله استعارة الغفلة للإعراض في قوله تعالى : { بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } في سورة الأعراف ( 136 ) وقوله تعالى : { والذين هم عن آياتنا غافلون } في سورة يونس ( 7 ) ، وليس المقصود الوعيد على السهو الحقيقي عن الصلاة لأن حكم النسيان مرفوع على هذه الأمة ، وذلك ينادي على أن وصفهم بالمصلين تهكم بهم بأنهم لا يصلون .
واعلم أنه إذا أراد الله إنزال شيء من القرآن ملحقاً بشيء قبله جعَل نظم الملحق مناسباً لما هو متصل به ، فتكون الفاء للتفريع . وهذه نكتة لم يسبق لنا إظهارها فعليك بملاحظتها في كل ما ثبت أنه نزل من القرآن ملحقاً بشيء نزل قبله منه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول : ويمنعون الناس منافع ما عندهم ، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته ، يقال للماء الذي ينزل من السحاب : ماعون...
واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُنِيَ به الزكاة المفروضة ...
وقال آخرون : هو ما يتعاوَرُهُ النّاس بينهم من مثل الدّلو والقِدر ونحو ذلك ...
وقال آخرون : الماعون : المعروف ...
وقال آخرون : الماعون : هو المال ...
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل ، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم ، وأنهم يمنعونه الناس ، خبرا عاما ، من غير أن يخصّ من ذلك شيئا ، أن يقال : إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ؛ لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله تعالى : { ويمنعون الماعون } وصف لهم بقلة النفع لعباد الله ، وتلك َشُّر خلة...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ويمنعون } أي على تجدد الأوقات ، وحذف المفعول الأول تعميماً حتى يشمل كل أحد وإن جل وعظمت منزلته ولطف محله من قلوبهم ، تعريفاً بأنهم بلغوا من الرذالة دركة ليس وراءها للحسد موضع { الماعون } أي حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع ، مثل إعارة التافه من متاع البيت التي جرت عادة الناس أن يتعاوروه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ، والحاصل أنه ينبغي حمل ذلك على منع ما يجب بذله ، مثل فضل الكلأ والماء والزكاة ونحوه ، ليكون موجباً للويل ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{ ويمنعون الماعون } أي ما يعان به الخلق ، ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة ، وكل ما ينتفع به ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون . يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية . يمنعون الماعون عن عباد الله . ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله . .
وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة ، وأمام طبيعة هذا الدين . ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل . لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا . إنما أدوا حركات لا روح فيها . ولم يتجردوا لله فيها . إنما أدوها رياء . ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء . بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء !
وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .
إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .
فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير ? وهذه الرحمة ? وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ? أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ?
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والترك عن عمد استعارة تهكمية ....وليس المقصود الوعيد على السهو الحقيقي عن الصلاة لأن حكم النسيان مرفوع على هذه الأمة ، وذلك ينادي على أن وصفهم بالمصلين تهكم بهم بأنهم لا يصلون...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الماعون » من «المَعن » وهو الشيء القليل . وكثير من المفسّرين قالوا : إنّ المقصود من «الماعون » الأشياء البسيطة التي يستعيرها أو يقتنيها النّاس ، وخاصّة الجيران من بعضهم ، مثل حفنة الملح ، والماء ، والنّار ( الثقاب ) ، والأواني وأمثالها .
واضح أنّ الذي يبخل في إعطاء مثل هذه الأشياء إلى غيره إنسان دنيء عديم الإيمان . أي إنّه بخيل إلى درجة الإباء عن إعطاء مثل هذه الأشياء . بينما يمكن لهذه الأشياء البسيطة أن تسدّ الاحتياجات الكبيرة . ومنعها يؤدي إلى بروز مشاكل كثيرة في حياة الأفراد .
وقيل : إنّ الماعون يعني الزكاة ؛ لأنّ الزكاة تشكل نسبة قليلة من أصل المال قد تبلغ عشرة بالمائة ، وأحياناً خمسة بالمائة ، وأحياناً اثنين ونصف بالمائة .
منع الزكاة طبعاً من أفظع السيئات ؛ لأنّ الزكاة تحل كثيراً من مشاكل المجتمع الاقتصادية ...
ذكر هاتين الصفتين بشكل متوال ( الرياء ومنع الماعون ) كأنه إشارة إلى أن هؤلاء المكذبين بالدين يؤدون ما للّه بنية النّاس ، وما للناس يمنعونه عنهم ، ومن هنا لا يصيب أي ذي حقّ حقّه ...
في هذه السّورة القصيرة ، ذكر اللّه سبحانه مجموعة من الصفات الرذيلة التي إن اتصف بها شخص فهي دليل عدم إيمانه ودناءته وحقارته . ويلاحظ أنّها جميعاً فروع لظاهرة التكذيب بيوم الدين ، أي بيوم الجزاء .
إهانة اليتامى ، وترك إطعام المساكين ، والتهاون في الصلاة ، والرياء ، وعدم التعاون مع النّاس حتى في إعارة الأشياء الصغيرة . . . تشكل بمجموعها طبيعة حياة هؤلاء المكذبين .
من هنا فهؤلاء أناس بخلاء ذاتيون أنانيون متظاهرون لا ارتباط لهم بالخالق ولا بخلقه . . . أناس خلت نفوسهم من نور الإيمان والشعور بالمسؤولية ، لا بثواب اللّه يفكرون ، ولا من عذابه يخشون .
ـ التظاهر والرياء بلاء اجتماعي كبير
قيمة كلّ عمل تتوقف على دافعه ، وبالتعبير الإسلامي : أساس كلّ عمل نية عامله .
الإسلام يركز على النية في تقويم الأعمال ...
إنّ النية هي التي تصوغ شكل العمل دائماً . من كان يعمل للّه جعل أساس عمله مستحكماً ، وسعى بكل جهده إلى أن يستفيد منه النّاس أكثر الاستفادة . لكن المتظاهر المرائي يكتفي بزخرفة الظاهر وتنميقه ، من دون أن يهتم بعمق العمل وباطنه وبحاجة المحتاجين إليه .
المجتمع الذي يتعود على الرياء لا يبتعد عن اللّه وعن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة فحسب ؛ بل تصبح كلّ برامجه الاجتماعية فارغة خالية المحتوى ، لا تتعدى مجموعة من المظاهر ، وإنّها لمأساة أن يكون مصير الفرد ومصير المجتمع بهذا الشكل .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ومن منع هذه الأشياء التافهة كان جديراً بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر ، وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن ، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها ، من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر ، للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق ، والانجذاب مع النقائص ، إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم ، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة ، فكان ذلك موجباً للميل إلى أعظم الويل....
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
من تلقينات السورة الرئيسية تقريرها لكون جحود الإنسان للآخرة هو الذي يشجعه على اقتراف الآثام في الدنيا ، وعلى قسوة القلب إزاء الضعفاء واليتامى والمساكين ، إذا أمن الجزاء والمقابلة ، وفي هذا توكيد لتقريرات قرآنية سابقة ، ولحكمة الله التي جعلت للحياة الدنيا تتمة في حياة أخرى لجزاء كل امرئ بما عمل . كما أن فيه مظهرا من مظاهر حكمة التنزيل في تكرار الإنذار بالحياة الأخرى ، وجعل الإيمان بها ركنا من أركان الإسلام ، على ما شرحناه في سياق سورة الفاتحة . وتخصيص اليتيم والمسكين بالذكر لا يعني -كما هو المتبادر- أن قهر الأول وحرمان الثاني هما عنوان التكذيب بالآخرة وجزائها حصرا . فهذا أسلوب من أساليب القرآن ، وهناك آيات قرآنية كثيرة- منها مما سبق -تذكر آثاما أخرى عامة وخاصة يقترفها الإنسان نتيجة لجحوده ذلك . وقد يعني تخصيص ذلك بالذكر هنا قصد التنويه بخطورة أمر اليتيم والمسكين . وهو ما تكرر كثيرا في القرآن ، وقد سبق منه أمثلة عديدة ، وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار . وفي التنديد بالمصلين اللاهية قلوبهم عن صلاتهم تنبيه لوجوب تذكر المصلي الله ، وإفراغ قلبه له حينما يقف أمامه متعبدا ، وتقرير ضمني بأنه بذلك فقط يتأثر بصلاته تأثرا يبعث فيه السكينة والطمأنينة ، ويرتفع به إلى أفق الروحانية العلوية كما هو مجرب عند كل من يفعل ذلك حقا . ويوقظ فيه الضمير ، فيبتعد عن الفحشاء والمنكر ، ويندفع نحو الخير والصلاح . وكل هذا من مقاصد الصلاة بالإضافة إلى كونها واجب العبادة ومظهر الخضوع لله ، على ما شرحناه في سياق سورة العلق . أما اللاهون فلا يتأثرون ذلك التأثير الباعث الموقظ الوازع الدافع ، فتكون صلاتهم عملا آليا لا روح فيها ولا حياة ، ويكون القصد منها الرياء والخداع ، ولا تكون بعد مقبولة عند الله . وجملة { يراؤون } [ 6 ] جاءت مطلقة لتنعي الرياء على الإنسان إطلاقا ، سواء أكان يرائي في صلاته أم في أي موقف وعمل آخر . وتتضمن بناء على ذلك تنديدا بخطورة خلق الرياء وبشاعته ؛ حيث يكون المتخلق به أمام الله مخادعا ، وأمام الناس كاذبا مضللا ساخرا ، وتنبيها إلى ما في انتشار هذا الخلق في مجتمع من المجتمعات من الشر العام . ولقد تكرر النعي القرآني على هذا الخلق والنهي عنه كما جاء في سورة البقرة هذه : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رثاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين }....