المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة هي الثامنة وثلاثون من سور القرآن الكريم ، وهي مكية وآياتها ثمان وثمانون آية . وقد صورت لنا لونا من عناد المشركين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحسدهم على ما كرمه الله به من شرف الرسالة ونزول القرآن . فردت عليهم ما تعلقوا به من أوهام باطلة ، وبينت أن الذي حملهم على محاربة الدعوة ما هم فيه من أنفة كاذبة وحب للمخالفة والشقاق ، وأنه لو نزل بهم عذاب الله لما كان موقفهم من الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذا الموقف . ثم ضرب الله الأمثال بالأمم السابقة ، ليكون ذلك زجرا لهم عن العناد واللجاج ، وتثبيتا لرسوله صلى الله عليه وسلم على ؟ إبلاغ الدعوة مهما يلاقي في سبيلها من عنت المشركين ومكرهم ، وليشكر الله على ما يفيء عليه من نعم ، كما فعل إخوانه من الأنبياء والمرسلين . وعقب هذا ذكر ما أعده الله للمتقين من حسب المآب ، وما أعده للطاغين من شر المآل ، ثم ذكرهم بما كان بين أبيهم آدم عليه السلام وعدوه إبليس ، ليعلموا أن ما يدعوهم إليه من التكبر عن اتباع الحق خلق من أخلاقه ، وأن هذا الاستكبار كان سببا لطرده من رحمة الله .

ص : حرف بدئت به السورة على طريقة القرآن في بدء بعض السور بالحروف المقطعة ، أقسم بالقرآن ذي الشرف والشأن العظيم إنه لحق لا ريب فيه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ص مكية وآياتها ثمان وثمانون .

قوله تعالى : { ص } قيل : هو قسم ، وقيل : اسم للسورة كما ذكرنا في سائر حروف التهجي في أوائل السور . وقال محمد بن كعب القرظي : ( ( ص ) ) مفتاح اسم الصمد ، وصادق الوعد . وقال الضحاك : معناه صدق الله . وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما : صدق محمد صلى الله عليه وسلم . { والقرآن ذي الذكر } أي ذي البيان ، قاله ابن عباس و مقاتل . وقال الضحاك : ذي الشرف ، دليله قوله تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك } وهو قسم . واختلفوا في جواب القسم ، قيل : جوابه قد تقدم ، وهو قوله ( ( ص ) ) أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمداً قد صدق . وقال الفراء : ( ( ص ) ) معناها : وجب وحق ، وهو جواب قوله : ( ( والقرآن ) ) ، كما تقول : نزل والله . وقيل : جواب القسم محذوف تقديره : والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار ، ودل على هذا المحذوف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ص وهي مكية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } :

هذا بيان من اللّه تعالى لحال القرآن ، وحال المكذبين به معه ومع من جاء به ، فقال : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } أي : ذي القدر العظيم والشرف ، المُذَكِّرِ للعباد كل ما يحتاجون إليه من العلم ، بأسماء اللّه وصفاته وأفعاله ، ومن العلم بأحكام اللّه الشرعية ، ومن العلم بأحكام المعاد والجزاء ، فهو مذكر لهم في أصول دينهم وفروعه .

وهنا لا يحتاج إلى ذكر المقسم عليه ، فإن حقيقة الأمر ، أن المقسم به وعليه شيء واحد ، وهو هذا القرآن ، الموصوف بهذا الوصف الجليل ، فإذا كان القرآن بهذا الوصف ، علم ضرورة العباد إليه ، فوق كل ضرورة ، وكان الواجب عليهم تَلقِّيه بالإيمان والتصديق ، والإقبال على استخراج ما يتذكر به منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

القول في تأويل قوله تعالى : { صَ وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ * بَلِ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزّةٍ وَشِقَاقٍ } .

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عزّ وجلّ : ص ، فقال بعضهم : هو من المصاداة ، من صاديت فلانا ، وهو أمر من ذلك ، كأن معناه عندهم : صادٍ بعملك القرآن : أي عارضه به ، ومن قال هذا تأويله ، فإنه يقرؤه بكسر الدال ، لأنه أمر ، وكذلك رُوي عن الحسن ذكر الرواية بذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن ص قال : حادث القرآن .

وحُدثت عن عليّ بن عاصم ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، في قوله : ص قال : عارض القرآن بعملك .

حدثت عن عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله : ص والقرآن قال : عارض القرآن ، قال عبد الوهاب : يقول اعرضه على عملك ، فانظر أين عملك من القرآن .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن أنه كان يقرأ : ص والقرآن بخفض الدال ، وكان يجعلها من المصاداة ، يقول : عارض القرآن .

وقال آخرون : هي حرف هجاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما ص فمن الحروف .

وقال آخرون : هو قسم أقسم الله به . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ص قال : قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .

وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ص قال : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به .

وقال آخرون : معنى ذلك : صدق الله . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن المسيب بن شريك ، عن أبي روق ، عن الضحاك في قوله : ص قال : صدق الله .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ، بسكون الدال ، فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين ، ويجعل ذلك بمنزلة الاَداة ، كقول العرب : تركته حاثِ باثِ ، وخازِ بازِ يخفضان من أجل أن الذي يلي آخر الحروف ألف فيخفضون مع الألف ، وينصبون مع غيرها ، فيقولون حيث بيث ، ولأجعلنك في حيص بيص : إذا ضيق عليه . وأما عيسى بن عمر فكان يوفّق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألف ، وما كان قبل آخره ياء أو واو فيفتح جميع ذلك وينصبه ، فيقول : ص وق ون ويس ، فيجعل ذلك مثل الاَداة كقولهم : ليتَ ، وأينَ وما أشبه ذلك .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا السكون في كل ذلك ، لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضة فيهم ، وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات ، فيعربن إعراب الأسماء والأدوات والأصوات ، فيسلك بهنّ مسالكهن ، فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانناها قبل فيما مضى .

وكان بعض أهل العربية يقول : ص في معناها كقولك : وجب والله ، نزل والله ، وحقّ والله ، وهي جواب لقوله : والقُرآنِ كما تقول : حقا والله ، نزل والله .

وقوله : والقُرآنِ ذِي الذّكْرِوهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال : والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ذِي الذّكْرِ فقال بعضهم : معناه : ذي الشرف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا أبو أحمد ، عن قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد ص والقُرآنِ ذِي الذّكْر قال : ذي الشرف .

حدثنا نصر بن عليّ وابن بشار ، قالا : حدثنا أبو أحمد ، عن مسعر ، عن أبي حصين ذِي الذكْرِ : ذي الشرف .

قال : ثنا أبو أحمد ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح أو غيره ذِي الذّكْرِ : ذي الشرف .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ قال : ذي الشرف .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن يحيى بن عُمارة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ذي الشرف .

وقال بعضهم : بل معناه : ذي التذكير ، ذكّركمُ الله به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عن المسيب بن شريك ، عن أبي روق ، عن الضحاك ذِي الذّكْرِ قال : فيه ذكركم ، قال : ونظيرتها : لَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكُمْ كِتابا فِيهِ ذِكرُكُمْ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذي الذّكْرِ : أي ما ذكر فيه .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ذي التذكير لكم ، لأن الله أتبع ذلك قولَه : بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرا لعباده ذكّرهم به ، وأن الكفار من الإيمان به في عزّة وشقاق .

واختلف في الذي وقع عليه اسم القسم ، فقال بعضهم وقع القسم على قوله : بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ قال : ها هنا وقع القسم .

وكان بعض أهل العربية يقول : «بل » دليل على تكذيبهم ، فاكتفى ببل من جواب القسم ، وكأنه قيل : ص ، ما الأمر كما قلتم ، بل أنتم في عزّة وشقاق . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : زعموا أن موضع القسم في قوله : إنْ كُلٌ إلاّ كَذّبَ الرّسُلَ . وقال بعض نحويي الكوفة : قد زعم قوم أن جواب والقُرآنِ قوله : إنّ ذلكَ لَحَقّ تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ قال : وذلك كلام قد تأخر عن قوله : والقُرآنِ تأخرا شديدا ، وجرت بينهما قصص مختلفة ، فلا نجد ذلك مستقيما في العربية ، والله أعلم .

قال : ويقال : إن قوله : والقُرآنِ يمين اعترض كلام دون موقع جوابها ، فصار جوابها للمعترض ولليمين ، فكأنه أراد : والقرآن ذي الذكر ، لَكَمْ أهلكنا ، فلما اعترض قوله بَل الّذِينَ كَفَرُوا فِي عزّةٍ صارت كم جوابا للعزّة واليمين . قال : ومثله قوله : والشّمْسِ وضُحاها اعترض دون الجواب قوله : وَنَفْسٍ وَما سَوّاها فأَلْهَمَها فصارت قد أفلح تابعة لقوله : فألهمها ، وكفى من جواب القسم ، فكأنه قال : والشمس وضحاها لقد أفلح .

والصواب من القول في ذلك عندي ، القول الذي قاله قتادة ، وأن قوله : بَلْ لما دلّت على التكذيب وحلّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب ، إذ عُرف المعنى ، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك : ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ما الأمر ، كما يقول هؤلاء الكافرون : بل هم في عزّة وشقاق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ص مكية وآيها ست أو ثمان وثمانون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { ص } وقرئ بالكسر لالتقاء الساكنين ، وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة ، ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك ، وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه ، أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب . { والقرآن ذي الذكر } الواو للقسم إن جعل { ص } اسما للحرف أو مذكور للتحدي ، أو للرمز بكلام مثل صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر ، وللعطف إن جعل مقسما به كقولهم : الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في { ص } من الدلالة على التحدي ، أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به ، أو إن محمدا صادق أو قوله :{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ( ص ) مكية وآياتها ثمان وثمانون . هذه السورة كلها مكية بإجماع من المفسرين .

قرأ الحسن وأبي بن كعب وابن أبي إسحاق : «صادِ » بكسر الدال على أنه أمر من صادى يصادي إذا ضاهى وماثل ، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح ، والمعنى : ماثل القرآن بعلمك وقارنه بطاعتك ، وهكذا فسر الحسن ، أي انظر أين عملك منه ؟ ، وقال جمهور الناس : إنه حرف المعجم المعروف ، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال ، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس : معناه صدق محمد ، وقال الضحاك معناه : صدق الله ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله : صمد صادق الوعد ، صانع المصنوعات ، وقرأها الجمهور : «صادْ » بسكون الدال ، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف عنه «صادٍ » بكسر الدال وتنوينها على القسم ، كما تقول : الله لأفعلن . وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق : «صادِ » بدون تنوين ، وألحقه بقول العرب : خاث باث ، وخار وباز . وقرأ فرقة منها عيسى بن عمر : «صادَ » بفتح الدال ، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف ، يقول : قافَ ، ونونَ ، ويجعلها كأين وليت : قال الثعلبي ، وقيل معناه : صاد محمد القلوب ، بأن استمالها للإيمان .

وقوله : { والقرآن ذي الذكر } قسم . وقال السدي وابن عباس وسعيد بن جبير ، معناه ذي الشرف الباقي المخلد . وقال قتادة والضحاك : ذي التذكرة للناس والهداية لهم . وقالت فرقة معناه : ذي الذكر لأمم والقصص والغيوب . وأما جواب القسم فاختلف فيه ، فقالت فرقة : الجواب في قوله : { ص } إذ هو بمعنى صدق محمد ، أو صدق الله . وقال الكوفيون والزجاج ، الجواب قوله : { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ ص : 64 ] . وقال البصريين ومنهم الأخفش ، الجواب في قوله : { إن كل كذب الرسل } [ ص : 14 ] .

قال القضي أبو محمد : وهذان القولان بعيدان .

وقال قتادة والطبري : الجواب مقدر قبل بل ، وهذا هو الصحيح ، تقديره : والقرآن ما الأمر كما يزعمون ، ونحو هذا من التقدير فتدبره .

وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله : { كم أهلكنا } وهذا متكلف جداً .