معاني القرآن للفراء - الفراء  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

قوله : { ص وَالْقُرْآنِ } جَزَمَها القراء ، إلاّ الحَسَن فإنه خفضَها بلاَ نون لاجتماع السَّاكنين . كانت بمنزلة مَنْ قرأ { نُونَ والقلم } و { ياسينَ والقرآنِ الحَكيم } جُعلت بمنزلة الأداة كقولِ العرب : تركته ( حاثِ باث ) و ( خَازِ بازِ ) يُخفضان ؛ لأن الذي يلي آخر الحرف ألِف . فالخفض مع الألف ، والنصبُ مع غير الألِف . يقولون : تركته حَيْثَ بَيْثَ ، ولأجعلنّك حَيْصَ بَيْصَ إذا ضُيّق عَلَيْهِ .

وقال الشاعر :

لم يَلتحِصني حَيْصَ بَيْصَ الحاصي *** . . .

يريد الحائص فقلبَ كَما قَالَ : ( عاقِ ) يريد : عائق .

و ص في معناها كقولكَ : وجبَ والله ، ونزل والله ، وحقّ والله . فهي جواب لقوله { والقرآن } كَما تقول : نزلَ والله . وقد زعم قوم أنّ جَوَاب { والقرآن } { إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تخاصُمُ أَهْلِ النارِ } وذلك كلام قد تأخّر تأخُّراً كثيراً عن قوله { والقرآن } جرت بينهما قِصص مختلِفة ، فلا نَجد ذلكَ مُستقيما في العربيَّة والله أعلم .

ويقال : إن قوله { وَالقرآنِ } يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها ، فصَار جوابها جواباً للمعترِض ولها ، فكأنه أراد : والقرآن ذي الذكر لكَمْ أهلكنا ، فلما اعترض قوله : { بل الذين كَفَرُوا في عِزَّة وشقاق } : صارت ( كم ) جَوَاباً للعزَّة ولليمين . ومثله قوله { والشَمسِ وضُحاها } اعْترض دون الجواب قولُه { ونَفْسٍ وما سَوَّاها فألْهَمها } فصَارت { قد أفلح } تابعةً لقوله { فألهمها } وكفي من جَواب القسم ، وكأنه كان : والشمس وضحاها لقد أفلح .