الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

وهي ثلاثة آلاف وسبعة وستون حرفاً ، وسبعمائة وإثنتان وثلاثون كلمة ، وثمانية وثمانون آية .

من كتاب ثواب الأعمال : أخبرنا إبراهيم قال : حدّثنا سلام في إسناده قال : ومن قرأ سورة ص كان له من الأجر مثل جبل سخّره الله لداود عشرة حسنات ، وعصم من أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير .

حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا أبو الربيع قال : حدّثنا ابن وهب قال : حدّثني العطاف بن خلد عن عبد الرّحمن بن حرملة عن برد مولى سعيد بن المسيب : إنّ ابن المسيّب كان لا يدع أن يقرأ كل ليلة ص .

قال العطاف : فلقيت عمران بن محمّد بن سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك .

قال : بلغني أنّه ما من عبد يقرأها كلّ ليلة إلاّ اهتز له العرش .

{ ص } قرأ العامة بالجزم ، واختلفوا في معناه . فقال الكلبي : عن أبي صالح ، سُئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن { ص } فقالا : لا ندري . وقال عكرمة : سأل نافع الأزرق عبد الله بن عباس عن { ص } فقال : كان بحراً بمكّة وكان عليه عرش الرّحمن ، إذ لا ليل ولا نهار . سعيد بن جبير : { ص } بحر يُحيي الله به الموتى بين النفختين . الضحّاك : صدق الله . مجاهد : فاتحة السّورة . قتادة : اسم من أسماء القرآن . السدّي : قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به ، وهو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ . وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس . محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله ، صمد ، وصانع المصنوعات ، وصادق الوعد . وقيل : هو اسم السّورة ، وقيل : هو إشارة إلى صدود الكفّار من القرآن . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : صاد بخفض الدّال ، من المصادّاة ، أي عارض القرآن بعملك وقابله به ، واعمل بأوامره ، وانته عن نواهيه .

وقرأ عيسى بن عمر صاد بفتح الدّال ، ومثلهُ قاف ونون ، لإجتماع السّاكنين ، حرّكها إلى أخف الحركات .

وقيل : على الإغراء .

وقيل في { ص } : إنّ معناه صاد محمّد قلوبَ الخلق واستمالها حتّى آمنوا به .

{ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } قال ابن عباس ومقاتل : ذي البيان . الضحاك : ذي الشرف ، دليله قوله عزّ وجل :

{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . وقيل : ذي ذكر الله عزّ وجلّ .

واختلفوا في جواب القسم ، فقال قتادة : موضع القسم قوله : { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ } كما قال سبحانه :

{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُواْ } [ ق : 1 - 2 ] . وقال الأخفش جوابه قوله : { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } كقوله عزّ وجل : { تَاللَّهِ إِن كُنَّا . . . } [ الشعراء : 97 ] وقوله : { وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ } [ الطارق : 1 ] { إِن كُلُّ نَفْسٍ } [ الطارق : 4 ] . وقيل : قوله : { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } . وقال الكسائي : قوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } . وقيل : مقدم ومؤخر تقديره { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } { وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } .

وقال الفراء : { ص } معناها وجب وحقّ ، فهي جواب لقوله { وَالْقُرْآنِ } كما تقول : [ نزل ] والله . وقال القتيبي من قال جواب القسم { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ } قال : " بل " إنما تجيء لتدارك كلام ونفي آخر ، ومجاز الآية أن الله أقسم ب { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * }